الحدّ الأدنى للجلد:
إن أشدُ أنواع الجلد هو جلدُ التعزير، ثم بعد ذلك يليه جلدُ الزنا، ثم يليه جلد السكران، ثم يليه جلد القذفِ. والتعزير بالجلد: هو أشد أنواع الضرب؛ لأنه جرى فيه التخفيف من حيث العدد، فلا يخفف من حيث الوصف، وذلك لئلا يؤدي إلى فوات المقصود منه وهو التأديب والردع والزجر.
لقد ذهب القدوري إلى أن أقل الضرب في التعزير ثلاثة أسواط، وذلك على أساس أن ما دون هذا القدر لا يقع به الزجر. وذهبت غالبيةُ الحنفية إلى أدنى التعزير بالجلد يرجعُ لما يراه المشرع بقدر ما يعلم أنه يكفي للزجر؛ لأن التعزير يختلف باختلاف الناس والجرائم. وقال في الخلاصة: إن اختيار التعزير إلى القاضي من واحد إلى تسعة وثلاثين.
وإن مقتضى الحديث إنه إذا رأى أن السوط الواحد يكفي للزجر فإنه يكتفي به دون زيادة. ويقتضي القول أن التعزير إذا وجب بنوع الضرب وروي أن جانباً معيناً ينزجرُ بسوطٍ واحد، فإنه يكمل له ثلاثة أسواط؛ لأن ذلك أقل التعزير بالضرب، وقد وجب، فأقل ما يلزم أقله، إذا ليس وراء الأقل شيء وأقله ثلاثةً.
أما ابن قدامة فقد قال: إن أقل التعزير ليس مقدراً؛ لأنه لو تقدر لكان حداً، ولأن النبي عليه الصلاة والسلام قدّر أكثره ولم يُقدر أقله، فيرجع فيه إلى اجتهاد الإمام أو الحاكم، فيما يراه وما يقتضيه حال الشخص.
فيميل ابن قدامة إلى الأخذ برأي الحنابلة، وإلى الراجح في مذهب الحنفية، من أن أدنى التعزير بالجلد مفوضٌ إلى رأي الحاكم، بقيمة في كل حالة بقدر ما يرى المصلحة فيه، وما فيه زجر للجاني، فيكون حدّ الأدنى سوطاً واحداً، إذا لا حدّ أدنى منه، ولا معنى للزيادةِ في الحدّ الأدنى عن ذلك، لأن الجرائم مختلفة، كأن يكون ثلاثة مثلاً؛ لأن الجرائم مختلفة، والأشخاص كذلك، فمنهم من يكفي لردعه سوطُ واحد، ومنهم من لا يرتدع بثلاثة ولا بأكثر.
فيجوز أن يكون السوط الواحد أو الاثنان كافيين للزجر؛ فلا يكون هناك محلٌ للزيادة، إذ لا موجب لها، ومن المعروف أن معنى الضرب يُصدق على السوط الواحد وعلى الأكثر منه، فالقول بأن ما دون الثلاثة لا يقع به الزجر قولٌ غير مسلم.