ما هو السر الذي أعطاه الله لسليمان من علم الكتاب؟

اقرأ في هذا المقال


السر الذي أعطاه الله تعالى لسليمان من علم الكتاب:

قال الله تعالى: “فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ” النمل:36. أي لما جاء الرسول سليمان بالهدية قال له سليمان: لستُ بحاجةٍ إلى مالكم؛ لأن الله أعطاني خيراً مما عندكم وقوله لهم: “بل أنتم بهديتكم تفرحون “يصح أن يكون معنى قوله: إنكم قدمتم هديه لي لتأسروني بها او أن معناها: إنهم يفرحون حين تأتيهم هدية من أحد، فكلاهما صحيح، أو أنا رددتُ الهدية وسترجع لكم وستفرحون برجُوعِها، وهذه ثلاثُ معانٍ، فانتم بهديةٍ منكم لي تفرحون حين تأتيكم هديةً أو إنني حين أردُ الهدية لكم، ستفرحون برجوعها إليكم، ثم قال لرسولِ بلقيس في لهجةٍ حاسمةٍ، “ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ النمل:37 كلامه هنا يكشف كلامها الذي قالته لقومها؛ فهي قد قالت: “قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ۖ“فكأنه من منطلق النبوة يرد عليها وعلى كلامها بالحرف.
ومعنى: “لا قبل لهم بها” أي أن القبل: هو المقابل، أي لا يستطيع مقابلة هذا الأمر أو مواجهتة، أو أنهم أضعف من أن يواجهوا هذا الأمر ومعنى: “أذلة وهم صغرون” أي يخرجهم من الملك أذلة ؛ لأنهم كانوا مُلوكاً، وسلب منهم الملك فصاروا أذلة، والصغار يكون بالأسر أو القتل ثم التفت سليمان حوله وقال: قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ” النمل :38 هذه أيضاً من إلهامات النبوة، فكأن الله أعلمه أن القوم بعد أن ردّ إليهم هديتهمم وسيأتونه مسلمين طائعين ولن يُحاربوه، فكأنه قد علمَ أنهم سيأتون إليهِ، فأراد أن يُرسل من يذهب إلى سبأ ويأتيه بعرشِ بلقيس قبل أن يصلَ القوم إليهِ، ولأن هذا الأمر صعبُ التحقيق، ويتطلب قدراة خاصةً، وقيل أنّ الذي تكلمَ عفريةً من الجنّ، قال: “قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ ۖ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ” النمل:39.
وقوله: “قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ” وهذه كلمةٌ مجملة؛ لأن مقام سُليمان في مجلسهِ بينهم للحكم والعلم ومدارسة الأمور، وهي مقامٌ طويل قد يستمرُ ساعات والذي يحدد هذا المقام مدة الإقامة التي كان يجلسها معهم من أجل هذه الأمور، ومعنى هذا أن العفريت سيأتيه بعرش بلقيس قبل أن يترك مجلسهِ هذا، أي أنه لن يتأخر به جلسةً أخرى، وهنا القرآن لم يُخبرنا أنّ أحداً آخر تكلم في هذا الموضوع إلّا بالوصف، حيث قال الله تعالى: قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ“النمل:40.

المدة التي استغرقت لحمل عرش بلقيس:


فنحنُ لو حسبنا المدة التي يستغرقها هذا الكلام أي في قوله تعالى”أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ” فهنا نجد أن طرفك ارتدّ خلالها مرتين أو ثلاثة، فالعفريتُ من الجن طلب إعطائه مدة من الوقت، فهي مدةُ بقاء سليمان في مجلسه، وليكن ساعةً أو ساعتين أو أكثر، لكن ألذي يأتي به قبل أنّ يرتد إليه طرفه فهذه سرعةً خارقة! لأن الطرف يرتدُ بسرعةٍ ولذلك لم يقل القرآن، فذهب الذي عندهُ علمُ الكتاب فجاء بالعرشِ، ولكن جاءَ بالخبرِ مباشرةً في قول الله تعالى: “قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي” النمل:40.
إنّ هذا دليل على السرعةِ الفائقةِ قال بعض العلماء: إنّ هذا الرجل هو “أصفُ بن برخياء” وكان رجلاً صالحاً أعطاه الله من أسرارِ قوته.
وقال أخرون: الذي عنده علم من الكتاب هو سليمان نفسه فكأن العفريت لما قال له: “أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ” قال له هو “أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ” فهو إذن سليمان لماذا؟ قالوا: لأنه لو كان هذا الرجل واحداً غير سليمان فمعنى هذا أنّ له تفوقاً في معرفة الكتاب قبل معرفة سليمان.
وردّ بعض العلماء على ذلك بقولهم: إن هذه عظمةً لسليمان؛ لانه فوق من يعرف هذا العلم والمزايا لا تقتضي إلا فضيلةً؛ لأن هذا الرجل مع ما عندهُ من علمٍ باسرار الكون سخرهُ الله لخدمة سليمان، وليس بالضرورة أن يكون الرجل العظيم عالماً بكلّ شيء فلا يمكن أن نطلب من الملك أن يكون ماهراً في بعض ما يُجيده بعضُ الصبية في الصناعات اليدوية، مثلاً.
وقال الله تعالى: “قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ” النمل:40. وما دام سليمان قال: “هذا مِن فضلُ ربّي” فهذا يدل على شيئين لا ثالث لهما: إما أن الله سخر له أحداً فجاء به وإن كانت هذه أو تلك ففضل من الله عليه بإعطائه هذا العلم له أو لأحد من أتباعه ومعنى “لَيبلُوَنِي” الإبتلاء هو الأختبار والإختبار ليس مذموماً لذاته.


شارك المقالة: