ما هو حكم الجماع الواقع في الحج؟

اقرأ في هذا المقال


حكم الجماع الواقع في الحج:

نتحدث هنا عن حكم الجماع والصيد إذا ما وقعا أثناء الحجّ.

حكم الجماع في الجمع:

أولاً: إذا ما وقع الجماع من المحرم بالحج فإما أن يكون يكون قبل الموقوفِ بعرفة أو بعده.
فإنَّ وقع الجماع قبل الوقوف بعرفة حج المحرم يُفسد اتفاقاً، ويجب قضاؤه في عام قابل وعليه الهدي. والدليل على هذا من الكتاب والسنة والإجماع.
أما من الكتاب: قوله تعالى:”الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ“البقرة:197. ودلالة هذه الآية أن قوله تعالى “فرض” أيّ شرع فيه بإحرامه، وقوله “لا رفث” لفظه خبر ومعناه الإنشاء، أيّ: لا يرفث؛ لأنه لو ظل خبراً فإنَّ الجماع لا يقع، لكنه يقع كثيراً فحمل على النهي، والنهي يدل على الفساد.
أما السنة: ما روي عن ابن عمر أن رجلاً سأله فقال: إني وقعت بامرأتي ونحن مُحرمان، فقال: أفسدت حجك، انطلق أنت وأهلك مع الناس فاقضوا ما يقضون وحل إذا حلو، فإذا كان في العام المقبل فأحجج أنت وامرأتك واهديا هدياً، فإنَّ لم تجد فَصوما ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم.
ووجه الدلالة في هذا الحديث: أنه دلّ بصريحه على فساد الحج حيث قال” أفسدت حجك”. وفساد حج المرأة بطريق التبع لمشاركتها في الفعل.

أما الإجماع:
وهو أن هذا القول بالفساد منقول عن ابن عمر وابن عباس، ولم يخالفهم أحدا في عصره، فكان إجماعاً وهذا منقول عن الأثر في سننه. ويستوي في الفساد الوطء في القُبل والدُبر والاستمناء بالنظر والفكر ولو كان الوطء لبهيمة، وكذلك المباشرة أنزل أو لم ينزل كله يُعتبر مفسداً؛ لارتكابه ما يخل بالإحرام ولم يُخالف في هذا إلا أبو حنيفة لاشتراطه في الجماع المفسد أن يكون في الفرج حتى لو جامع فيما دون الفرج أو اللمس بشهوة أو عانق أو قَبل أو باشر لا يفسد حجه لانعدام الارتفاق البالغ وإنَّ كانت عليه الكفارة أنزل أو لم يُنزل.
ولا يقتصر فساد الحج على الزوج الواطئ وحده وإنَّما يفسد حج المرأة الموطوءة أيضاً مطيعة أو مكروهة أو نائمة عامدة أو ناسية ولم يخالف في هذا إلا الشافعية حيث قالوا: لا يفسد الحج بالجماع إذا كان الواطئ صبياً غير مميز أو مجنوناً أو ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً.

ثانياً: إذا وقع الجماع بعد الوقوف بعرفة، فهل يفسد الحج أم لا؟ لقد اختلفت الأقوال في ذلك على النحو التالي:

قال أبو حنيفة إذا جامع بعد الوقوف بعرفة لا يفسد حجه مطلقاً دون أن يتقيد بالتحلل الأكبر أو الأصغر.
وقال الحنابلة والشافعية أيضاً، يفسد حجه مطلقاً.
وعن مالك روايتان: الأولى تقول: بأنه إذا جامع يوم النحر قبل رمي جمار العقبة الأولى وقبل طواف الإفاضة فسد حجه. والثانية تقول، أنه إذا جامع بعد انتهاء يوم النحر قبل رمي الجمار وطواف الإفاضة أو بعد رمي الجمار وقبل طواف الإفاضة أو بعد طواف الإفاضة وقبل رمي الجمار لا يفسد حجه وعليه الهدي.
وسبب الخلاف الذي وقع بين الفقهاء هو: أن للحجاج تحللاً يشبه السلام في الصلاة وهو التحلل الأكبر وهو الإفاضة وتحلل أصغر وهو الرمي، وهل يشترط في إباحة الجماع تحللان أو أحدهما؟ ولا خلاف بينهم في أن التحلل الأصغر الذي هو رمي الجمرة الأولى يوم النحر، أنه يحلّ به الحاج من كل شيء حرم عليه بالحج إلا النساء والطيب والصيد. فمن اشترط التَحللان رأى الفساد بالجماع بعد الوقوف كما قال الحنابلة والشافعية ورواية عن مالك ومن قال يكفي التحلل الأصغر لم ير فساد حجه وهي الرواية الثانية عن مالك. أما أبو حنيفة، فإنَّه يرى أنه إذا تم وقوف عرفة وجامع بعده فلا يفسد حجه.
استدل الحنفية على القول بعدم إفسادِ الحج بالجماع بعد الوقوف بعرفة بما يلي:
من السنة: ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:”الحجّ عرفة” سنن ابن ماجه. ووجه الدلالة هنا هو أن من وقف بعرفة فقد تم حجه وليس المراد من الوقوف بعرفة التمام الذي هو ضد النقصان؛ لأن الحج لا يثبت بنفس الوقوف، فتبين أن المراد منه خروجه عن الفساد أيّ احتمال الفساد والفوات.
من المعقول: إنَّ الوقوف بعرفة ركنٌ مستقل بنفسه وجوداً وصحة لا يقف وجوده وصحته على الركن الآخر وما وجد ومضى على الصحة لا يقبل الفساد إلا بالردة ولو لم تُوجد وإذا لم يفسد ما بقي؛ لأن فسادهُ بفساده.
واستدل الشافعية والحنابلة على قولهم بفساد الحج بإجماع بعد الوقوف بعرفة بما يأتي:
من السنة: ما روي عن ابن عمر أن رجلاً سأله فقال: إني وقعت بامرأتي ونحن مُحرمان، فقال: أفسدت حجك انطلق أنت وأهلك مع الناس، فاقضوا ما يقضون وحل إذا حلو، فإذا كان في العام المقبل فاحجُج أنت وامرأتكَ وأهدِيا، فإنَّ لم تحجّا فصُوما ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم”. فدل هذا الحديث على فساد الحج بالوقاع مطلقاً دون أن يسأله ابن عمر عن وقاعهِ كان قبل الوقوف بعرفة أو بعده مع قيام الحاجة إلى السؤال لكنه لم يسأل فدل على اتحاد الحكم وهو الفساد لارتباطه بالسبب وهو الوقاع لاتحاد الحكم سواء كان قبل الوقوف أو بعده. فكان ذلك إجماعاً.
أما المعقول: أن الجماع صادف إحراماً تاماً فأفسد الحج كما لو وقع قبل الوقوف. وقد ردوا على الحنفية، بأن الحديث الذي استندوا إليه وهو “الحج عرفة” أيّ أنه ركنه المهم أو معظمه وقوف عرفة وأمن الفوات لا يلزم منه أيّ الفساد.
أما الراجح هو ما ذهب إليه الحنفية وذلك لعدة أسباب وهي:

  • أن المحرم قد وقع منه غالبية أفعال الحج وأهمها وهو الوقوف بعرفة، فإذا ما وقع منه جماع بعد ذلك يكون قد وقع بعد أداء الأهم من أركان الحج.
  • أن الحديث الوارد عن النبي عليه الصلاة والسلام صريح في أن الحج جله أو معظمه “عرفة” وهذا تعبير عن أهم ما يلزم الحاجُ وهو الوقوف بعرفة.
  • أن المالكية في روايتهم القائلة بعدم الفساد لم يفرقوا إلا بمضي يوم النحر فقط وإنَّ لم يقع منه طواف إفاضة أو رمي جمار وهذه التفرقة تحكيمة لم تبن إلا على مضي وقت لم يقع فيه فعل وهذا في اعتبارهم ميلاً إلى قول الحنفية ولو أنهم قالوا لا بد من وقوع فعل فيه كرمي العقبة الأولى أو طواف الإفاضة لكان ذلك محققاً شيئاً لكنهم لم يقولوا إلا بمضي الوقت المناسب.
  • أن الحاج الذي وقف بعرفة ومضى إلى مزدلفة ثم فعل الوقاع، لا شك أنه اجتاز مرحلة كبيرة لا ينبغي تفويتها عليه لذلك كان تمام حجة أولى.
  • أن القول بإتمام حجة فيه أعمالٌ للدَللين كل ٌ في مجاله. فحديث ابن عمر يكون قاصراً على ما قبل الوقوف” والحجّ عَرفة” يشيع بتمام الحج بعد الوقوف حتى لو حدث الوقاع بعده، ولو قلنا بغير ذلك لكان فيه أعمال لأحد الدليلين وإهمال الآخر والمشهور بين الفقهاء أن العمل بالدليل أولى من أعمالِ أحدهما الآخر.
    وهذا كله من حيث القول بفساد الحج وعدمه قبل الوقوف بعرفة وبعده. أما من حيث الفدية: فقد اتفقوا على وجوب الفدية على المواقع قبل الوقوف بعرفة وبعده. أما من حيث نوع الفدية فقد اختلفوا فيما إذا حدث الجماع قبل الوقوف أبو بعده.

شارك المقالة: