قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}صدق الله العظيم، يعتبر أصل القياس من الأصول المتَّفق عليها بين الأصوليِّين، وهي أربعة: القرآن، والسُّنة، والإجماع، والقياس، فـ{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ } تُحيل على القرآن، {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} تُشير إلى السنة، { وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ } تشير إلى الإجماع، {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} تشير إلى القياس، لذلك فمن أدلة القياس، قوله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}صدق الله العظيم، كذلك من أدلة السنة، قوله عليه الصلاة والسلام: “((وفي بُضْع أحدكم صَدَقة))، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدُنا شهوتَه ويكون له فيها أجر؟ قال: ((أرأيتم لو وضَعها في حرام، أكان عليه فيها وِزْر؟ فكذلك إذا وضَعَها في الحلال كان له أجر))“، ويُسمَّى هذا بقياس العكس.
تعريف القياس:
تعريفه باللغة: “ التمثيل، نقول لا يُقاس الله بخلقه؛ أي: لا يُمثل، ويأتي بمعنى: التقدير؛ نقول: قاس الثوب إذا قدَّر طولَه وعرضَه“، وفي اصطلاح الأصوليين: “هو ردُّ واقعةٍ غيرِ منصوصٍ عليها إلى واقعةٍ منصوص عليها؛ لاتفاقهما في العِلَّة، وبالتالي بالحكم”، والواقعة غير المنصوص عليها تُسمَّى عند أهل العلم بالفرع، وتُسمَّى بالمقيس، وبمعنى آخر: واقعة غير منصوص عليها؛ لم يأتِ فيها دليلٌ خاصٌّ، إلى واقعة منصوص عليها تُسمَّى عند أهل العلم بالأصل، كما تُسمَّى عندهم بالمقيس عليه؛ أي: جاء دليل في بيان حُكْمِها؛ لاتفاق بينهما في العلة، فالمقيس يأخذ حكمَ المقيس عليه؛ إذ يتفقان في الحكم لأنّ العلة جالبةٌ للحُكْم.
أركان القياس:
إنّ الركن الأول: “المقيس” هو الحادثة التي لم يرد فيها نص، ثانياً: “المقيس عليه”: هو الحادثة التي ورد فيها نص، ثم “العلة”: وهي من أسباب وضح الحكم الشرعي ، وقيل فيها: “هي الوصف الظاهر المنضبِط المشتمل على حكمة تشريع الحُكْم”، ونذكر هنا أمثلة حتى يتضح المقال؛ فالمخدِّرات كالحشيش، مقيس أو فرع، لم يأتِ دليل خاص يُبيِّن حكم الحشيش؛ هل هو حرام أم حلال؟ فهو واقعة غير منصوص عليها، وهذا المقيس يُرَدُّ إلى الخمر، وهي واقعة ورد فيها نُصَّ “المقيس عليه”؛ أي: أصل جاء نص في بيان حكمها: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}صدق الله العظيم، فهنا جاء نصٌّ محكم في بيان التحريم، والعِلَّة الجامعة بينهما التي اتَّفقا فيها هي السُّكْر؛ أي: كلاهما يُسْكِر ويُذهِب العقل، وهذا وجه التشابُه بينهما، وعليه فمن أركان القياس أن يتحد جميع الأركان مع بعضها، وهي السُّكْر في هذه الحالة؛ إذًا جميع أنواع المخدِّرات تُقاس على الخَمْر، وجميع أنواع المسكِرات تُقاس عليها، فهذا هو بيان القياس.
أنواع القياس:
- قال تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا }صدق الله العظيم، أولُ الأنواع هي قياس الأَوْلى: فمثلًا مسألة دفع الوالدين لم يأتِ دليلٌ خاصٌّ يُبيِّن تحريمها؛ أي: تحريم الدفع، فدفعهما في هذه الحالة مقيس، والتأفيف عليهما مقيس عليه، جاء دليل خاص في بيان تحريمه؛ وعليه فإن دفع الوالدين فرع ومقيس غير منصوص عليه، والتأفيف على الوالدين أصل ومقيس عليه منصوص عليه، والعلة الجامعة بينهما العقوق، أمّا الحكم: فهو تحريم الدفع كما حُرِّم التأفيف، وقد سُمِّي هذا بقياس الأَوْلى؛ لأنّ الدفع أولى في التحريم من قول “أُف”؛ لذلك سمَّاه أهل العلم كذلك، بمعنى أنّ حكم المقيس أولى من حكم المقيس عليه.
- قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا }صدق الله العظيم، القياس المساوي: وهو تساوي حكم المقيس والمقيس عليه؛ كقياس إتلاف مال اليتيم على أكله، فلا يوجد دليل خاص من الكتاب والسنة يُحرِّم إتلاف مال اليتيم، وقد قاس العلماء إتلاف الأموال على أكلها، والإتلاف يتساوى مع الأكل.
- الدِّلالة: “هي اتحاد المقيس والمقيس عليه في العلّة”؛ و يظهر ذلك بدليل “العلَّة”، لكن لا يكون الاتحاد واضحًا بينهما؛ لذلك سُمِّي بقياس الدِّلالة؛ أي: لا يُعرف إلا بدليلها لا بذاتها؛ يعني بأثر العلة، فمثال: امرأة ليس لها زوج فحملت، تقاس على الزانية، فهي مقيس والزانية “مقيس عليه”، والعلة الجامعة بينهما الزنا، وقد عرفنا الزنا في حالة “المقيس” لأثر العلة وهو الحمل، فالحمل أثر للجِماع؛ لذلك سمي بقياس الدلالة؛ أي: بدليل العلة وليس بذات العِلَّة، والحكم اللازم لها هو إقامة الحد على الحامل من غير زوج بالرَّجْم إن كانت ثيِّباً، وإلَّا فالجلد إن كانت بِكْرًا.
- قياس المتشابة: مثاله: قياس العبد المقتول خطأً على الحُرِّ أو على البهائم، وعموم المملوكات، ويتشابه مع المملوكات، فالعِلَّة الجامعة بينهما أن كليهما مملوكٌ، والحكم في هذه الحالة هو دفع قيمة العبد إلى سيِّده، وليست الدية التي هي مائة ناقة مع الكفَّارة؛ أي: صيام شهرين، فالعبد المقتول خطأً “مقيس ” ويقوع التشابُه في الأصل، أو بين الأصلَينِ، إذ نرى أَن نقيس على هذا الأصل أم على الآخر؟، والحُرُّ المقتول خطأً مقيسٌ عليه، والعِلَّة الجامعة بينهما أنهما معًا بَشَرٌ، والحكم المطلوب هو وجوب دفع الدِّيَة إلى سيِّد العبد؛ لكن بعض أهل العلم خالفوا في ذلك، وقالوا: إنّ الأصل الذي ينبغي أن يُقاسَ عليه العبدُ هو المملوك؛ كالبهيمة التي قُتِلتْ خطأً؛ لأنّ العبد مملوكٌ.
- القياس المبهم : لم يتفق فقهاء الأَيمان في حرمته، فالذين حرَّمُوه قاسوه على الخَمْر، وقاسوه على السجارة، والذين لم يُحرِّمُوه لم يقولوا بعِلَّة الإسكار، أو بعِلَّة الضَّرَر، وبالتالي فهذا قياس خفي ظنِّي، والقياس الْمُجمع عليه؛ أي: القياس القطعي الذي أجمع عليه العلماء، ولا يحتمل معنًى آخر؛ كقياس المخدِّرات على الخَمْر، حيث هناك تشابُه في العِلَّة، والقياس الخفي: وهو الذي فيه خلاف بسبب عدم قطعية العِلَّة.
القياس في الإسلام:
الإسلام جعل القياس من الأدلة التي لا خلاف فيها في معرفة الحُكم الصحيح، وأصول القياس تلك هي “القرآن، والسنة النبوية، والإجماع، والقياس”، وفي تعريف القياس لغةً واصطلاحًا لا بد الإشارة إلى القياس في الإسلام هو “رد واقعة غير منصوص عليها إلى واقعة منصوص عليها، لاتفاقهما في العلة وبالتالي يظهر الحكم”، ومن أنواع القياس في الإسلام، القياس الجلي وهو القياس المُجمع عليه، أي القياس القطعي الذي أجمع عليه العلماء، كقياس تحريم المخدرات على تحريم الخمر، حيث هناك تشابه في العلة، والنوع الثاني القياس الخفي وهو الذي فيه خلاف بسبب عدم قطعية العلة، مثال ذلك نبات في اليمن اسمه”القات”، اختلف العلماء في تحريمه، فالذين حرموهُ قاسوه على الخمر، وقاسوه على السيجارة، والذين لم يحرموه لم يقولوا بعلة الإسكار، أو الضرر، وهو بذلك قياس خفي ظني.
القياس في النحو:
إن معناهُ في اللغة: ” مطابقة ما لم يعرف من قبل على ما عُرف”، ولهذا فإنّ للقياس أساسات أربعة لابدّ منها ليصحَّ التطابق في النحو، وهذه الأساسات الأربعة تتوضّح في قول الأنباري: “ولا بد لكل قياس من أربعة أشياء: أصل، وفرع، وعِلَّة، وحكم،”وذلك مثل أن تركب قياسًا في الدلالة على رفع ما لم يسمَّ فاعله، فتقول: اسم أسند الفعل إليه مقدمًا عليه، فوجب أن يكون مرفوعًا قياسًا على الفاعل، فالأصل هو الفاعل، والفرع هو ما لم يُسَمَّ فاعلُهُ، والعِلَّة الجامعة هي الإسناد، والحكم هو الرفع، والأصل في الرفع أن يكون للأصل الذي هو الفاعل، وإنّما أُجري على الفرع الذي هو ما لم يُسَمَّ فاعله بالعِلَّة الجامعة التي هي الإسناد، وعلى هذا النحو يتركيب كلِّ قياس من أقيسة النحو.