بيان مقاصد التشريع الإسلامي في إقامة حد البغي:
إن مقصد الشريعة من مشروعية إقامة حد البغي، هو القتل حتى ينزجر البغاة عن فعلهم ويَردع من تسول له نفسه الخروج على الحاكم المسلم؛ لأن الإمام أو الملك أو الرئيس جميعهم يقومون بحراسة الدين وسياسة الدنيا، ولا ينبغي أن يعيش الناس بدون إمام يسوّسهم ولا يمكن أن تستقم وتستقر حياتهم وتصلح أحوالهم إلا بإمامة عادلة، فتُراعي شؤونهم وتحفظُ مصالحهم وتدافع عنهم وتمنعهم عن التظالمِ والتَعادي عليهم وتُنصف بعضهم من بعض، وتحكم بينهم بالعدل فقال تعالى: “وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ“النساء:58. فلا بدّ للأمة الإسلامية من إمام يقيم الدين وينصرالسُنة الشريفة، ويُنصفون المظاليم، وتُستوفى الحقوق ويصنعها مواضعها.
فقال ابن تيمية: يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين، بل أنه لا قيام للدين إلا بها، فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع، وذلك لحاجة بعضهم إلى بعض ولا بُدّ لهم عند الاجتماع من رئيس، ولأن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يتم ذلك إلا بقوةٍ وإمارة وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل وإقامة الحج والجمع والأعياد ونصر المظلوم وإقامة الحدود لا تتم إلا بالقوة والإمارة.
قال الماوردي: إن الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين، وسياسة الدنيا، وعقدها لمن يقوم بها في الأمة واجب بالإجماع، حتى وإن شذّ عنهم الأصمّ. فإذا قامت فئة من الناس تُنازع الأمر أهلهُ وتخرج عن طاعتهم وتقوم بالتعدي على حقوقهم وصلاحيتهم وتُخرق أنظمتهم، فهذا يؤدي إلى اختلال النظام وفساد الأمن وزعزعتهِ ووقوع الناس في الفوضى الخلاقة.
وظهرت المطامع الشخصية وصارت الفرصة متاحةً للمفسدين والمجرمين من أجل أن يفسدوا في الأرض، أيضاً من أجل التعدي على أموال الناس وأعراضهم ودمائهم ومقصد الخارجين، والمناوئين للسلطة هو زعزعة سلطة ولي الأمر وضعف قدرته على البغاة وذهاب هيبة الدولة من نفوسهم، ممّا يؤدي إلى التخريب في الأرض، وتضييع مصالح الناس.
فمن أجل ذلك أوجب الله تعالى مقاتلة البغاة إذا لم يبتعد شرهم إلا بالقتال، وحتى لا تكون فتنةً في الأرض، فإن أمكن دفع شرهم بما دون ذلك، فهذا هو الواجب فعله معهم؛ لأن المقصود حملهم على الطاعة، وإرجاعهم إلى الجماعة وقتالهم فيه إضرار بهم وبمن يقاتلهم، فيؤدي ذلك إلى ضياع الأنفس، والإضرار بمصالح الأمة الإسلامية ومكتسباتها. فالبُغاة يتسببون بإراقة الدماء، وهتك الأعراض وسلب أموال الناس وممتلكاتهم العامة وإضعاف هيبة الدولة الإسلامية في نفوس أعدائها وجرئتهم على محاربتها والتطاول على مصالحها.