حكم إجهاض ولد الزنا:
إن إجهاض ولد الزنا يترتب عليه عدة مطالب منها: حكم إجهاض بصورة عامة، حكم إجهاض الزنا، حكم إجهاض ولد الاغتصاب.
حكم الإجهاض بشكل عام:
إن حكم الإجهاض بصورة عامة يشمل ما يلي:
أولاً: حكم الإجهاض بعد نفخ الروح
اتفق الفقهاء على حرمة الإجهاض بعد نفخ الروح، ولو باتفاقِ الزوجين، لأن هذا قتل للنفس بغير حق فيدخل في قوله تعالى” وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ ” الإسراء:33. ونقلوا بالإجماع على تحريم الإجهاض بعد أن تنفخ الروح فيه، كلاً من الفقيه المالكي ابن جزي في قوانينه الفقهية حيث قال: وإذا قبض الرحم المني لم يجز التعرض له، وأشد من ذلك إذا نفخ فيه الروح، فإنه قتل نفس إجماعاً.
يُستثنى من هذا الحكم حالة الضرورة، وهي حالة ما إذا تأكدنا بطريق موثوق به كالتشخيصِ الطبي، وجمعٌ من أهل الخبرة والصلاح، بأن في بقاء هذا الجنين هو موتٌ للأم، وأن الطريق الأفضل والوحيد لبقاء حياتها آمنةً هو إخراج الجنين.
فإنه يجوز في هذه الحالة إخراجه؛ وذلك اتباعاً لقاعدة الضرورياتُ تبيحُ المحضوراتِ. وقاعدة الضرر الأشد صعوبةً يُزال بالضرر الأخف، ولا شكّ في أن موت الجنين أخف من موت الأم؛ لأن الأم هي أصل الجنين، وحياتُها ثابتة بيقين وحياة الجنين محتملة، ولأنَ في موت الأم موت الجنين معها وفي إسقاط الجنين حياة الأم.
ثانياً: حكم الإجهاض قبل نفخ الروح
اختلف الفقهاء في حكم الإجهاض قبل نفخ الروح في الجنين أي قبل أن يُكمل مائة وعشرين يوماً:
1- قال الحنفية: في الراجح في مذهبهم أنهم أباحوا إسقاط الجنين قبل أن تُنفخَ الروح فيه. فقال صاحب البدائع: وإن لم يستبن شيء من خلقه فلا شيء فيه لأنه ليس بجنين. ويقول ابن عابدين: يباح إسقاط الولد قبل أربعة أشهرٍ ما لم يتخلق منه شيء، ولن يكون ذلك إلا بعد مائة وعشرين يوماً.
أما صاحب البناية فقد فقال: أنه لا يحق التعرض للجنين، ولا مسهُ إذا ظهر بعض خلقه، فإن تميز عن العلقة والدم فقد أصبح نفساً بشرياً، أما إذا لم يظهر شيء من خلقه ففي هذه الحالة لا شيء عليها. من خلال هذه الآراء التي ذكرناها، إن الغالب فيها أن الحنفية أباحوا الإجهاض قبل أن يبدأ تخلق الجنين. ولكن إذا بدأ الجنين بالتّكون والتخلق فإنه لا يجوز أن نتعرض له بدون عذر.
2. رأي المالكية: كان للمالكيةِ رأيان:
– أنه يُحرم الإجهاض منذ لحظة التلقيح الأولى؛ وذلك بمجرد أن يصل ماء الرجل إلى داخل رحم المرأة، فهنا يُحرم التعرض له وإخراجه.
– أيضاً حُرم الإجهاض بعد مرور أربعين يوماً باتفاق، وكُره قبل الأربعين عند بعض المالكية. لقد ذكر الإمام الخرشي جواز الإسقاط قبل فترة الأربعين الأولى مع كراهة الفعل حتى إن أذن الزوج. فقال: لا يحقُ للمرأة أن تفعل أي أمرِ من أجل إسقاط ما في بطنها من جنين، وأيضاً لا يحقُ للزوج فعلُ ذلك أيضاً. ولا يحقُ لها أن تشرب أي مادةٍ سائلة أو دواء من أجل إسقاط جنيها حتى وإن رضي الزوج.
3- يوجد عند الشافعية قولان:
– يجوز أن يُسقط الجنين قبل أن تنفخ فيه الروح. ومن القائلين به شهاب الدين القليوبي في حاشيته أنه قال: نعم يجوز إلقاء الجنين ولو بدواء قبل نفخ الروح.
– لا يجوز إسقاط الجنين منذ لحظة تعلقه في الرحم. وهذا ما ذهب إليه الغزالي وقال: ليس العزل مثل الإجهاض والوأد؛ لأن هذا جناية على موجود حاصل، وله مراتب، فإن أول هذه المراتب هي الوجود أي أن تقع النطفة في الرحم وتختلط بماء المرأة وتستعد لقبول الحياة، وإفساد ذلك جناية فإن صارت مضغة وعلقة كانت الجناية أفحش وأقبح، وإن نفخ فيه الروح واستوت الخلقة فهذا زيادةٌ للفاحشة في الجناية بعد الانفصال حيّاً.
4. أما رأي الحنابلة: فرأي الحنابلة هو إجهاض الجنين قبل نفخ الروح فيه. فقال صاحب المغني: إن ألقت المرأة مضغةً، وشهد ثقات من القوابل أن فيه صورةٌ خفية، ففيه غرة، وإن شهدنّ أنه مبتدأ خلق آدمي لو بقي تصور، ففيه وجهان؛ فالأصل لا شيء فيه؛ لأنه لم يتصور فلم يجب فيه كالعلقة.
5. رأي ابن حزم الظاهري: فقد ذهب ابن حزم الظاهري إلى تحريم إسقاط الجنين قبل أن تنفخ فيه الروح وبعده، حيث أنه رتب عقوبةً على من شربت الدواءَ وأسقطت ما في بطنها قبل نفخ الروح.