حكم الردة في الإسلام:
الردة في اللغة: وهي إبعادُ الشيءِ بذاتهِ أو بأي حالةٍ من الأحوال، وقيل رددتهُ فارتدّ، ومعنى ردّهُ أي صرفهُ، وردُ الشيءِ عليه: لم يُقبل منهُ. والارتداد والردةِ هي العودة عن المسار الذي جاء منهُ، لكن الردّةُ تخصُ بالكفر، والارتدادُ يُستخدمُ فيه وفي غيره، فقال تعالى: “وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُم” المائدة:21. بمعنى لا ترجعوا.
وقال تعالى أيضاً في سورة المائدة عن الإرتداد عن الإسلام، قال تعالى: “يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ” المائدة:54.
والردةُ جاءت من الارتداد أي بمعنى التحولُ والعودة عن الشيءِ إلى غيرهِ، مثل العودة عن الإسلام، والمرتدُ يُعرف بأنه الراجع، أي الذي يرجع عن دينه، وكفر بعد إسلامهِ.
أمّا الردةِ في الإصطلاح الشرعي: وهو أن يرجع المسلم عن دينه الإسلام طوعاً وكفرهُ بالله وحده، ويكونُ ذلك إمّا بالاعتقاد أو بالفعلِ أو بالقولِ أو بالشك. والردةً أيضاً هي: قطع الإسلام بنيةَ الكفر أو قول الكفر أو فعل الكفر، سواءً قاله ُ عن طريق الاستهزاء أو العِناد أو الاعتقاد. فقال تعالى: “وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ” البقرة:217.
ولقد حثّ الله تعالى جميع عباده الذين ارتدوا عن دينهم إلى أن يتوبوا إليه ويعودوا إلى رشدهم ونصحهم، فقال تعالى: “وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” النور: 31. وقال: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا”.
فقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يُكثر من الاستغفار والتوبة إلى ربِّه في كلّ الأعمال والتصرفات، فهناك حديث يقول: والله إني لأستغفرُ الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرةً،وبين عليه الصلاة والسلام بأنّ باب التوبة مفتوح للمرتد ولغيره. فقد أجمع العلماء على وجوب التوبة من الذنب.
فالمرتدُ في الدين الإسلامي إذا رجعَ إلى الله وأعلن توبتهُ بنفسهِ قُبلت توبته وأصبح واحداً من المسلمين، ولكن هل تقبل توبة جميع المرتدين؟ ففي ذلك خلاف وهو:
– أنّه ذهب بعض العلماء إلى أن التوبة تُقبلُ من أي مُرتد كان، كما تُقبل من الكافر الأصلي، واستدلوا بعموم النصوص الواردة في التوبة من الكتاب والسنة، وهو الذي اشتهر في مذهب الشافعي ورواية أحمد وقول في مذهب أبي حنيفة.
– وقال آخرون وهم الأغلب وهم مذهب مالك وأحمد في أظهر الروايتين عنهُ وطائفةً من أصحاب الشافعي وهو قول آخر لأبي حنيفة إلى أنّ التوبة لا تُقبلُ من الزنديق والمنافق؛ لأنه يظهرُ خلافٌ ما يُبطنُ فلا يعلمُ صدقة ولكنهُ إذا فرض أنه صادق في توبتهِ في نفس الأمرِ نفعهُ ذلك عند الله، وكان الحد تطهيراً له مثل الزاني يحد بعد رفع أمرهُ إلى الحاكم وهو تائب.
أمّا من ناحية حكم الاستتابة فقد اختلف العلماءُ فيها، وذهب بعض العلماء إلى وجوبها، فلا يُقتلُ المرتد حتى يُستتاب، وعللوا ذلك بأن المرتد قد يكون عرضت له شبهةً كانت سبباً في ارتداده، ومن المُحتمل أن تزول إذا أمهل وطلب رجوعه بمراجعتهِ نفسه ونظره في شبهتهِ بنفسه أو سؤال أهل العلم عنها.
وقد ركَّز القرآن الكريم والسنة الشريفة على قتلِ المُرتد إذا لم يتب في قوله تعالى: “فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ” التوبة:5. فدلت هذه الآية الكريمة على أنّ كل شخص أو كلُ مسلمٍ لم يتوب عن الردة فلا يُخلى سبيله.
أمّا في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي عليه الصلاة والسلام أنّه قال: “من بدَّل دينه فاقتلوه”. وعن عبد الله بن عباس قال: أن علياً عليه السلام أحرق ناساً ارتدوا عن الإسلام فبلغ ذلك ابن عباس فقال لا تعذبوا بعذاب الله . وكنت قاتلهم ، بقول رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فإنّ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: “من بدل دينه فاقتلوه” . فبلغ ذلك علياً فقال : ويح أم ابن عبًاس
وهناك أيضاً في الصحيحين عن معاذ رضي الله عنه أنه قال لمرتدٍ رآهُ عند أبي موسى الأشعري في اليمن: لا أنزل يعني من دابته، حتى يقتل قضاء الله ورسوله.