حكم الرضاعة من غير الأم في الإسلام:
تكتسي الرضاع أهمية بالغةً في حياة أيّ إنسان بعد خروجه من بطن أمّه إلى هذا الوجود، ويُعد الحليب هو المكون الأساسي الذي يعتمد عليه المولود خلال الأشهر الأولى من ميلاده، فهذا هو العنصر الذي يبني جسم الطفل وينميه، حتى يقوي على التأقلم والتعايش مع هذا العالم الجديد، ويُعتبر الرضاع هي بمثابة الآلية التي تترجم وصول ذلك المغذي إلى جوف الصبي لتحقيق غاية نموه وتطوره. إنّ أول ما يدخل إلى جوف المولود بعدما يولد هو الحليب الذي يتغذى عليه جسم الطفل وهو الرضاع، وقدد حدد لها الشارع الحكيم عدداً من الأحكام التي أضحت مصدراً لمختلف القوانين والتشريعات.
يصحُ إرضاعُ الطفل من غير أمهِ، إذا توافر هناك أمران وهما: الأول: أن تكون المرضعة راضية، وأخذ إذن الزوج، سواء كان هذا الرضاع كان بعوضٍ أو بغير عوض. فرضى المرضعة، وهو أنّ الأصل بالمعاوضات والتبرعات هو رضى المعاوض أو المتبرع بموافقة أهل العلم. أمّا من ناحية إذن الزوج، وهو لأنّ الإرضاع يُفوتُ عليه بعض حقوقه في الاستمتاع بزوجته. وقد دلّ أهل العلم على ذلك، فقال الحنابلة: ليس للزوجة أن ترضع غير ولدها إلّا بإذن الزوج، وذلك لما فيه من تفويت حقهُ عليه.
الثاني: وهو إذن أبي الطفل أو أخذ إذن وليّه؛ وذلك لأنّ الأب أو الولي هو الذي يُقيم الأمر في الشرع على مصالح الطفل، فلا يُفتأ عليه في ذلك، فقد يكون في الإرضاع مضرّةٌ للصبي ولو كان بغير عوض، وقد نص الفقهاء على أنّ الرضاع يغير الطباع، وقد يُعَيَّر به المرتضعُ كما لو رضع من فاجرة أو مشركة، فكيف إذا كان الرضاع بعوض، قال صاحب الفواكه الدواني من المالكية: ويجب على من يستأجر أن لا يكون في لبنها عيب، وذلك كونها حمقاء أو جذماء، ويضرُ بالرضيع.ونص على معناه الفقهاء من المذاهب الأربعة. ومحل هذا الشرط والذي قبله ما لم يتعين الإرضاع لإنقاذ الصبي من التهلكة، فإذا تعين لإنقاذه من التهلكة وجب ولو بدون إذن، أمّا بالنسبة لعدد الرضعات التي يثبت بها تحريم الرضاع فهي خمس رضعات.
تعريف الرضاع:
الرضاعة لغةً: تأتي الرضاعة بالفتح والكسر، رَضاع رِضاع ويأتي من معنى الإرضاع. فيُقال: رضع بالفتح أو الكسر، والفاعل هو الرضيع أو الراضع والأم المرضعة، وأرضعت الأمُ أي هي مرضعة، ولها ولدٌ ترضعه. فقد جاء على لسان العرب: رضعَ الصبيُّ وغيرهُ يرضعُ، مثال ضرب يضرب لغة نجدية، ورضع مثل سمعَ، فيقال: يرضعُ رضعاً ورضعاً ورضاعة فهو راضع والجمع رضع. وهو اسمٌ لمص ثدي الأم وشرب الحليب منه. ومعنى رضع الصبيّ أمّه، أي امتصّ ثديها ورضعهُ، وامرأة مرضع: أي لها ولدٌ ترضعه وهو أخ الرضاعة، ويُقال في الأم مرضع وذلك لاختصاص الإرضاع بالإناث أو النساء، ومعنى استُرضع الولد أي طلبوا له مُرضعة، وقد ذُكر الرضاع في القرآن الكريم في عدّة مواقع، فقال تعالى: “وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ” القصص: 7.
الرضاعةُ شرعاً: وتُعرف الرضاع في الاصطلاح الشرعي بأنّهُ مصّ الرضيع حقيقةً أو حُكماً للبنٍ خالص أو مختلط غالباً، ممّا يعني وصول اللبن لجوف الرضيع بواسطة المص أو الوجور ” أي صب الحليب من وعاء في فم الرضيع لكي يبتلعهُ؛ وذلك بسبب صعوبة تناوله عن طريق المص مباشرة، إمّا لمرضٍ ما في فم الطفل أو لعجزٍ منه عن الرضاع” أو عن طريق السعوط أي” وصول اللبن بواسطة الأنف إلى المعدة؛ وذلك لعاهةٍ في مجرى الهضمي” أو إما عن طريق الحقن وذلك شريطة أن يكون هذا من أجل الغذاء، وأن يصل إلى المعدة لا الحلق.
لقد عرف بعض العلماء الرضاع على أنّه كما يلي: قال ابن حزم الظاهري عن الرضاع وهو كل ما امتصهُ الرضيع من ثدي المُرضعة بفمهِ فقط، ولا عبرة بمن أرضعً رضيعاً بواسطة إناء أو من ثدي عن طريق الأنف، وهذا لأن ابن حزم تمسك بظاهر النص، وهذا مذهبه في قوله تعالى: “وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ ” النساء:23. وقال الجرجاني: هو مص الرضيع من ثدي الآدمية في مدّة الرضاع. وعرفهُ بعض العلماء بأنّه: مصّ من دون الحولين لبناً ثاب عن حمل أو شربه ونحوه.
تعريف الفقهاء الأربعة للرضاع:
أمّا تعاريف الفقهاء للرضاع فقد عرفوه كما يلي:
قالت الحنفية الرضاع بأنّه مص الرضيع من ثدي الآدمية في وقتٍ مخصوص، والمصُ يتناول القليل من الحليب والكثير. أمّا المالكية فقالوا: هو وصول لبن آدمي لمحلُ مظنة غذاء وحصول لبن امرأة وإنّ ميتة أو صغيرة سواء بوجورٍ أو سعوط أو حقنة يكون غذاء. أمّا الشافعية فقالوا: هو اسمٌ لحصول لبن امرأة أو ما حصل في معدة طفل أو دماغه. أمّا تعريف الحنابلة قالوا: مصّ من له دون حولين لبناً أو شربه ونحوه كالسعوط والوجور وأكله بعد أن يجبن.