ما هو حكم الصيد في الحج؟

اقرأ في هذا المقال


حكم الصيد في الحج:

ينبغي أن نعرف الصيد قبل ذكر حكمه، ثم نذكر ما اتفق على حل صيده وما اتفقوا على حرمة صيده وبيان ما اختلف فيه وحكم كل قسم.
تعريف الصيد: وهو الممتنع الموحش من الناس في أصل الخلقة بقوائمه أو بجناحه. والصيد نوعان وهما البري والبحري. فالبري: هو ما يكون توالده في البر سواء كان لا يعيش إلا في البر أو يعيش في البر والبحر، فالعبرة للتوالد. والبحري: هو الذي يكون توالده في البحر سواء كان لا يعيش إلا في البحر أو يعيش في البر والبحر فالعبرة هنا بتوالدهِ.
1. أما صيد البحر: فقد اتفق الفقهاء على حله للمحرم والحلال سواء كان مأكولاً أو غير مأكول. وذلك لقول الله تعالى:”أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ” المائدة:96. والمراد في هذه الآية هو صيد البحر واصطياده كل ذلك سواء للمحرم؛ لأن ذكر الحل ورد بصيغة العموم وجعله الله متاعاً أي يتمتعون بلا أكلاً وصيداً.
2. أما صيد البر فمأكولٌ وغير مأكول: أما المأكول فلا يحل للمحرم اصطياده نحو الظبي والأرنب والطيور التي تؤكل لحومها بريةً أنت أو بحرية؛ لأن الطيور كلها برية؛ ولأن توالدها في البر وإنَّما يدخل بعضها في البحر لطلب الرزق. والأصل فيه: قوله تعالى:”وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا” وقال تعالى أيضاً:”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ” المائدة:95. ووجه الدلالة في الآيتين: أن ظَاهرهما يقتضي تحريم صيد البحر للمحرم عاماً أو مطلقاً إلا ما خص أو قيد بدليل. وقال تعالى:”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ” المائدة:94.
ووجه الدلالة: أن المراد من الآية الابتلاء بالنهي لقوله تعالى في سياق الآية”فمنِ اعتدى بعد ذلك فلهُ عذابٌ أليم”. أيّ اعتدى بالاصطياد بعد تحريمه، والمراد منه صيد البر؛ لأن صيد البحر مباح بقوله تعالى”أحلُ صيدُ البحر“. وكذلك لا يحل له الدلالة عليه والإشارة إليه، بقوله عليه الصلاة والسلام”الدال على الخير كفاعله”؛ ولأن الدلالة والإشارة سبب للقتلِ وتحريم الشيء تحريمٌ لأسبابه.
أما غير المأكول فهي نوعان: وهو نوعاً يكون مؤذياً طبعاً مبتدئاً بالأذى غالباً، ونوع لا يُبتدى بالأذى غالباً.
1 أما الذي يبتدي بالأذى غالباً: فالمحرم أن يقتله ولا شيء عليه وذلك نحو الأسد والذئب والفهد والنمر؛ لأن دفع الأذى من غيرسببٍ موجب للأذى واجب فضلاً عن الإباحة ولهذا أباح النبي صلى الله عليه وسلم قتل الخمس الفواسق في الحل والحرم بقوله عليه الصلاة والسلام”خمسٌ من الفواسق يقتلهن المحرم في الحل والحرم: الحية والعقرب والفأرة والكلب العقور والغراب”.
2 وأما الذي لا يبتدي بالأذى غالباً: مثل الثعلب والضبع وغيرهما، فللمحرمِ أن يقتله إن عدى عليه ولا شيء عليه إذا قتله، وهذا قول أبي حنيفة وصاحبيه، وقال زفر يلزم الجزاء وجه قول زفر: إن المحرم للقتل قائم وهو الإحرام، فلو سقطت الحرمة إنما تسقط بفعله وفعل العجماء جبار أي هدر، فبقي محرم القتل قياساً على الجمل الصائل إذا قتله إنسان أنه يضمن.
أما وجه قول أبي حنيفة وصاحبيه: أنه لما عدى عليه وابتدأهُ بالأذى التحق بالمؤذياتِ فسقطت عصمته وقد روى ابن عمر رضي الله عنه أنه ابتدأ قتل ضبع فأدى جزاءها وقال: إنا إبتدأناها، فتعليلهُ بإبتداءئهِ قتله إشارةً إلى أنها لو ابتدأت لا يلزم الجزاء.

جزاء المحرم إذا قتل صيداً:

إذا قتل المحرم صيداً أثناء إحرامه، ولم يكن الصيد قد بادءهُ بالعدوان ولم يكن من المؤذيات المنصوص على إباحة قتلها، فإن المحرم عليه الجزاء وهذا الجزاء يكون”بالمثل” فيما هو مثلى، أو له مثل ٌ وتقدير المثلى أمره غير متروك للمحرم وإنما يُقدر المثلى حكم عدل عملاً بقوله تعالى:”وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ” المائدة:95.
والحكم الذي يقدر المثلية على المتلف يشترط فيه ما يلي:
أن يكون عدلاً.
أن يكون فقيهاً عند بعض الفقهاء، وهم المالكية، وغيرهم لا يشترطون كونه فقيهاً واكتفوا بشرط العدالة.
ولا بد أن يقوم بالحكم عدلان.
ولا بد أن يكونا الحكمان غير الصائد فلا يكون الصائد أحدهما. وهذا إذا كان للصيد مثل فإن لم يكن له مثل قدرت قيمته واشترى بها الصائد طعاماً وتقدر القيمة يوم التلف لا يوم تقويم الحكمين ولا يوم التعدي، ويشترط في تقدير القيمة أن تكون بقيمة محل التلف لا بغيره ويقدر بقيمته التي يشتري بها طعاماً وتوزع على المساكين لكل مسكين”مدّ” بمد النبي عليه الصلاة والسلام ولا يجزئ أكثر من مد ولا أقل. هذا إذا استطاع إخراج المثل أو القيمة.
فإن لم يستطع عادل ذلك الطعام صياماً: يصوم عن كل”مد” يوماً ولا يشترط أن يصومها في أيام الحج ولا في مكة بل يصومها في أي زمان ومكان بحسب طاقته وقدرته ولو كان المقدار حدث فيه كسور كنصف المد وأراد أن يعادله صياماً صام عنه يوماً إذا لا يتصور صوم بعض يوم.
والتعديل الذي هو الحكم بمعادلة مثل الصيد المقتول أو قيمته هل هو على التخيير أو على الترتيب بمعنى أنه لو كان على التخيير لكانت المعادلة ابتداءً، يمكن أن تكون بالمثل ويمكن أن تكون بالقيمة، كما أن التخيير يشمل الصيام بدل الإطعام، أما إن قلنا بالترتيب، فإنه لا يلجأ للثاني إلا عند عدم الأول بمعنى أنه لا بد من المثل ولا يعدل عن المثل إلا إذا لم يتحقق وعندئذ يلجأ إلى القيمة ويشتري بها طعاماً فإذا لم يستطع لجأ إلى الصيام.
وعلى هذا فهل الآية الدالة على جزاء قتل الصيد هل هي على الترتيب أو على التخيير. قال أبو حنيفة ومالك والشافعي، هي على التخيير أيّ أن الحكمين يُخير أن من عليه الجزاء. وقال زفر أنها على الترتيب.

سبب الخلاف في هذا الأمر:
إن من رأى أن الآية على التخيير فإنه التفت إلى حرف”أو” إذا كان مقتضاها في لسان العرب التخيير. وأما من نظر إلى ترتيب الكفارات في ذلك فشبهَ كفارة الصيد بالكفاراتِ التي فيها الترتيب باتفاق، وهي كفارة الظهار والقتل. وهذا الحكم بإيجاب الكفارة على صيد المحرم عمداً فيشترط فيه أن يكون عمداً؛ لأن الآية قد نصت على هذا الشرط حيث قال تعالى:”وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ” المائدة:95. حيث رتبت الآية وجوب الجزاء على معنى العمدية. وأيضاً لأن العمد هو الموجب للعقوبة والكفارة فيها معنى العقوبة ولا عقوبة إلا بعمد وحيث أن الآية قد نصت على أن العامد يذوق وبال أمره بقوله تعالى:“لِيَذُوقَ وَبَالَ أمرهِ”.
وقال قوم تجب هذه الكفارة على من أتلف صيداً نسياناً ولا حجة لهم إلا أن يشبهوا إتلاف الصيد بإتلاف الأموال فإن الأموال عند الجمهور تضمن بالإتلاف خطأ ونسياناً فكذا في قتل الصيد في الحرم نسياناً.


شارك المقالة: