حكم القنوت في الوتر في رمضان:
لقد اختلف العلماء في حكم القنوت في الوتر في رمضان على خمسة أقوال:
القول الأول: يُستحب القنوتُ في الوترِ في رمضان. وقال بهذا الأمر الحنفية والشافعية في من وجه وأحمد في رواية وهي المذهب. وهو قول: عمر، وعلي ابن مسعود،وقولُ لأبي هريرة والحسن وعطاء وأبي ثور. وقال به النخعي واسحاق والأوزاعي.
الأدلة على القول الاول:
– هو حديث الحسن بن علي، قال علمني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقوالهن في قنوت الوتر. ووجه الاستدلال: هو أن النبي عليه علم الحسن القنوت في الوتر، ولم يخص ذلك بوقت دون وقت، وتعليمه يدل على الاستحباب. وقيل بأن هذا الحديث ضعيف. وأجيب بأن الحديث ثابت وصحيح.
– هناك أيضاً حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه يقول في آخر وتره: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك. ووجه الاستدلال: هو أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقنتُ في الوتر، وهو عام في كل وتر، وفعله يدل على الاستحباب.
– هو حديث ابن عباس، قال: كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا قام يتهجد من الليل قال: “اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض”. ووجه الاستدلال: هو أن النبي عليه الصلاة والسلام، كان يقنتُ في الوتر، وهذا عام في كل وتر وفعلهُ يدلُ على الاستحباب. وقد نوقش هذا الأمر بأن ظاهر السياق أنه كان يقوله أول ما يقوم إلى الصلاة. وأجيب: بأنه ليس في الحديث ما يدل على أنه خاص بأول الصلاة.
القول الثاني: يُستحب القنوت في الوتر في النصف الآخر من رمضان وقال به الشافعي وأحمد في رواية. وقال به، أنس بن مالك، وعلي وأبي بن كعب وابن عمر في رواية، ومعاذ القاري.
أدلة القول الثاني: وهي أدلة استحباب القنوت في الوتر في النصف الآخر من رمضان وهي ما يلي:
– حديث أنس رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنتُ في النصف من رمضان إلى آخره. ووجه الاستدل: هو أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن يقنتُ إلا في النصف الآخر من رمضان، والنبي عليه الصلاة والسلام لا يفعلُ إلا الأفضل. ونوقش هذا الحديث من وجهتين نظر:
الوجه الأول: أن الحديث ضعيف. والوجه الثاني: أن الإخبار بأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقنتُ في النصف الثاني من رمضان لا يقتضي نفي قنوته في النصف الأول منه.
– ودليلٌ آخر أن الناس في عهد عمر كانوا يلعنون الكفرة في النصف الآخر من رمضان. ووجه الاستدلال هو: أن لُعن الكفرة في النصف الآخر من رمضان يقتضي أنه لا يستحب القنوت في الوتر في أوله. ونوقش: بأن لُعن الكفرة في النصف الآخر من رمضان لا يقتضي استحباب القنوت في النصف الآخر من رمضان دون أولهِ.
القول الثالث: لا يُشرع القنوت في الوترِ في رمضان إلا في النصف الآخر منه. وقال به: مالك في رواية. وهو رواية عن قتادة: للحسن، ومعمر.
أدلة القول الثالث: أدلة بأنه لا يُشرع القنوت في الوتر في رمضان إلا في النصف الآخر. ومن هذه الأدلة ما يلي:
– حديث أنس رضي الله عنه، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنتُ في النصف من رمضان إلى آخرهِ. ووجه الاستدلال: أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن يقنتُ إلا في النصف الآخر من رمضان، والعبادة مبناها على التوقيف. ونوقش هذا الأمر من ثلاثة أوجهٍ وهي، الأول: أن الحديث ضعيف، والثاني: أنه ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يقنتُ في الوتر دون تفريق بين أول الشهر وآخره. والثالث: أن القول بأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقنتُ في النصف الثاني لا ينفي قنوته في النصف الأول.
–وهو أن عمر وعلي وأبي بن كعب: كانوا لا يقنتةن إلا في النصف الآخر من رمضان. ووجه الإستدلال: هو امتناع هؤلاء الصحابة عن القنوت في أول رمضان لا يكون إلا لأنهُ لا يُشرع إلا في النصف الآخر. ونوقش من وجهين وهما: الأول: أن مجرد الامتناع لا يقتضي نفي المشروعية. والثاني: أنه جاء عن هؤلاء القنوت في سائر الشهر.
القول الرابع: لا يُشرع القنوت في الوتر في رمضان إلا في النصف الأول منه. وهو قول للحسن، ومعمر، وقتادة وأبي ثور. ومن أدلة هذا القول بأنه لا يُشرع القنوت في الوتر في رمضان إلا في النصف الأول منه. ولم نعثر للقائلين بأنهُ لا يُشرع القنوت في الوتر في رمضان إلا في النصف الأول منه على أدلة.
القول الخامس: لا يُشرع القنوت في الوتر في رمضان. وهو رواية عن مالك. وقال به: أبو هريرة وابن عمر في رواية عنهما، وعطاء في قول. وهو قول طاووس. وأدلة هذا القول بأنه لا يُشرع القنوت في الوتر في رمضان. واستدلوا بما استدلّ به القائلون، بأنه لا يُشرع القنوت في الوتر في غير رمضان، وسيأتي بيان أدلة هذا القول في المطلب الثاني.