ما هو حكم النذر؟

اقرأ في هذا المقال


حكم النذر:

لقد اختلف الفقهاء في حكم النذر، هل هو مباح أو مكروه أو حرام؟ وللفقهاءِ في هذه القضية ثلاثة أقوال:
القول الأول: إنَّ النذر غير مستحب ومكروه، وقال بهذا القول مذهب الحنابلة وأكثر الشافعية والمالكية وابن المبارك وابن حزم وغيرهم. وكان دليل أصحاب هذا القول بكراهة النذر تدل على ما يلي:
أخرج الإمام البخاري في صحيحه بإسناده عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن النذر وقال: أنه لا يرد شيئاً ولكنه يستخرج به من البخيل. ودل هذا الحديث على نهيّ صراحة النذر، والنهي يَقضتي التحريم في الأصل، إلا إذا ورد ما يصرفه من التحريم إلى الكراهة. والذي صرف النهي من التحريم إلى الكراهة هنا هو النصوص من الكتاب والسنة التي أوجبت الوفاء بالنذر، ولا يعقل أن يوجب القرآن والسنة الوفاء بمحرم.
القول الثاني: النذر قربة مشروعة. واستند أصحاب القول الثاني القائلون بأن النذر قربة بعموم النصوص التي جاءت تأمر بالوفاء بالنذر. فقال ابن الأثير: وقد تكرر في أحاديثه ذكر النهي عنه. وهو تأكيد لأمره، وتحذير عن التهاون به بعد إيجابه، ولو كان معناه الزجر عنه حتى لا يفعل، لكان في ذلك إبطال لحكمة. وإسقاط لزوم الوفاء به، إذا كان بالنهي يصير معصية، فلا يلزم، وإنَّما وجه الحديث أنه قد أعلمهم أن ذلك أمر لا يجز لهم في العاجل نفعاً، ولا يصرف عنهم ضراً. ولا يرد قضاءً فقال: لا تنذر على أنكم قد تدركون بالنذر شيئاً لم يقدره الله لكم، أو تصرفون به عنكم ما جرى به القضاء عليكم. فإذا نذرتم ولم تعتقدوا هذا فاخرجوا عنه بالوفاء، فإنَّ الذي نذر تموه لازم لكم. وقال بهذا القاضي والمتولي والغزالي والرافعي من الشافعية وقال به الحنفية.

القول الثالث:
النذر حرام. واستدل القول الثالث بالأحاديثِ التي نهت عن النذر، إذا النهي عندهم يفيد التحريم.
وبه قال الصنعاني في كتابه سبل السلام. واحتج الصنعاني بنهي النبي عليه الصلاة والسلام عن النذر، فقال: القول بتحريم النذر هو الذي دل عليه الحديث، ويزيده تأكيد تعليله بأنه لا يأتي بخير، فإنَّه يصير إخراج المال فيه من باب إضاعة المال، وإضاعة المال محرمة.

النذر في الديانات السابقة:

ولقد كان النذر في الديانات السابقة للإسلام عبادة يتقرب بها الناس إلى الله سبحانه وتعالى، سواءً كانوا أهل كتاب ظاهر كاليهود أو النَصارى، أو كانوا على بقايا ديانة إبراهيم عليه السلام، كالفرس في الجزيرة العربية وخاصة أهل مكة وما حولها. فقد ذكر لنا القرآن الكريم عن أم مريم نذرها بقوله سبحانه وتعالى”إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ_ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ ۖ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ_فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ” آل عمران: 35- 37. وأمر الله عزّ وجل مريم عليها السلام بالنذر فقال تعالى:” فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا” مريم:26.
ومن الجدير بالذكر أن النذر الذي ينبغي الوفاء به هو نذر الطاعة. وأن النذر إذا كان معصيةً من المعاصي أو عملاً من أعمال المشركين التي تُنافي الإسلام، فإنَّه يُعتبر حراماً ولا يحلُ الوفاء به.
لقد روى أبو داود في سننه بإسناده عن ثابت بن الضحاك قال: نذرَ رجلٌ على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن ينحر إبلاً ببوانة، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: هل كان فيها وثنٌ من أوثان الجاهلية يعبد، قالوا لا، قال: هل كان فيها عيدٌ من أعيادهم؟ قالوا: لا قال النبي عليه الصلاة والسلام: أوفِ بنذرك، فإنَّه لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم. سنن أبي داود.
وقد حدثنا القرآن عن أهل الجاهلية حينما كانوا يتقربون إلى الله بالنذر لأصنامهم طلباً لشفاعِتهم عند الله، وليُقربوهم إلى الله زلفى، فقال تعالى معيباً عليهم ذلك:”وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَٰذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَٰذَا لِشُرَكَائِنَا ۖ فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَائِهِمْ ۗ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ“الأنعام:136.


شارك المقالة: