ما هو حكم الوسواس في الصلاة؟

اقرأ في هذا المقال


حكم الوسواس في الصلاة:

إنّ الوسواس في الصلاة يدلُ على عدم اكتمال الإيمان، وعلى عدم استحضار العبد لعظمةً الله تعالى، وعدم الإحسانِ الكامل في الصلاة؛ فالإحسانُ في الصلاة: هو أنّ يُصلّي المُصلّي كأنهُ يرى الله؛ فإنّ لم يكن يراهُ فإنّ الله يراه، وكما قال النبي عليه الصلاة والسلام حينما سألهُ جبريل عليه السلام بقولهِ: فأخبرني عن الإحسان؛ فقال: “أنّ تعبد الله كأنك تراهُ، فإن لم تكن تراهُ، فإنهُ يراك” متفق عليه.

حكم الوسواس في الصلاة:

أما حكم الوسواس في الصلاة، فقد سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى عمن يحصل له الحضور في الصلاة تارةً، ويحصلُ له الوسواس تارةً أخرى، فما الذي يستعين به على دوام الحضور في الصلاة؟ وهل تكون تلك الوساوس مبطلةً للصلاة أو مُنقصةً لها أم لا؟ ففي قول عمر: إني لأجهز جيشي وأنا في الصلاة، هل كان ذلك يُشغلهُ عن حاله في جمعيتهِ أو لا؟ فأجاب عفلى ذلك، الحمد لله رب العالمين، الوسواس لا يُبطلُ الصلاة إذا كان قليلاً باتفاق أهلُ العلم، بل ينقصُ الأجر كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: ليسَ لكَ من صلاتك إلا ما عقلتَ منها.
وفي السنن عن النبي عليه الصلاة والسلام أنهُ قال: “إنّ العبد لينصرفُ من صلاتهِ، ولم يُكتب لهُ منها إلا نِصفُها، إلّا ثُلثها، إلا رُبُعُها، إلّا خُمُسها، إلّا سُدُسها إلّا سُبُعها، إلّا ثُمُنها، إلّا تُسعُها، إلّا عُشرُها”.
ويُقال: بإنّ النوافل شُرعت حتى تجبر النقص الحاصل في الفرائض كما في السنن عن النبي عليه الصلاة والسلام أنهُ قال: “أولُ ما يُحاسب عليه العبدُ من عَملهِ الصلاةُ، فإنّ أكملها وإلّا قيل انظروا هل له من تطوعٍ، فإنّ كان له تطوعٌ أكمِلت به الفريضةُ، ثم يُصنعُ بسائر أعمالهِ”. فهذا الإكمالُ يتناول ما كان فيهِ نقصٌ مُطلقاً.
ويكونُ الوسواس الذي يأتي غالباً على الصلاة، فقد قال طائفةٌ ومنهم أبو عبد الله بن حامد، وأبو حامد الغزالي، وغيرهم، بأنهُ يوجب الإعادة أيضاً لما أخرجاهُ في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النبيّ عليه الصلاة والسلام قال: “إذا أذّن المؤذن أدبر الشيطانُ ولهُ ضُراطٌ حتى لا يسمع التأذين فإذا قضى التأذين أقبلَ، فإذا ثُوبَ بالصلاة أدبر، فإذا قضى التثويب أقبل حتى يخطُرَ بين المرء ونفسهِ فيقولُ: أذكر كذا، اُذكر كذا لِما لم يكن يذكرُ، حتى يظلُ الرجلَ لا يدري كم صلّى، فإذ وَجدَ أحدكم ذلك فليسجُد سَجدتينِ قبل أن يُسلمَ” رواه البخاري. وقد صحّ عن النبي عليه الصلاة والسلام مع الوسواس مُطلقاً، ولم يُفرق بين القليل والكثير.
لا ريبَ أنّ الوسواس كلّما قلّ في الصلاة، كان أكمل كما في الصحيحين من حديث عثمان رضي الله عنهُ، عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: “أنّ من توضأ مِثل وُضوئي هذا ، ثم ركعَ ركعتينِ لم يُحدث فيهما نفسهُ، غُفِرَ له ما تقدم من ذنبهِ” متفق عليه. وكذلك في الصحيح أنهُ قال: “من تَوضأ فأحسن الوُضُوء، ثم صَلّى ركعتينِ يُقبلُ عليهما بوجهِهِ، وقلبهُ غفرَ له ما تقدمَ من ذنبهِ” رواية مسلم.
وما زال في المُصلين من هو كذلك، كما قال سعد بن معاذ رضي الله عنه: “في ثلاثِ خِصال، لو كنت في سائر أحوالي أكون فيهن: كنتُ أنا أنا؛ إذا كنت في الصلاة لا أُحدث نفسي بغير ما أنا فيه، وإذا سمعت من رسول الله حديثاً لا يقع في قلبي ريب أنه الحق، وإذا كنت في جناوةٍ لم أحدث نفسي بغير ما تقول، ويُقال لها”. رواه ابن عبد البر.
لقد كان مسلمة بن بشار يُصلي في المسجد، فانهدم طائفةٌ منه وقام الناس وهو في الصلاة لم يشعر. وكان عبد الله بن الزبير رضي الله عنه يسجدُ، فأتى المنجنيق فأخذ طائفةً من ثوبه وهو في الصلاة لا يرفعُ رأسه.
وسألوا عامر بن عبد القيس أتُحدثُ نفسك بشيءٍ في الصلاة؟ فقال: وهل هناك شيءٌ أحبُ إليّ من الصلاة أُحدثُ به نفسي؟ قالوا: إنا لنُحدثُ أنفسنا في الصلاة، فقال: أبالجنةِ والحور، وما شابه ذلك؟ فقالوا: لا، ولكن بأهلينا وأموالنا، فقال: لأن تختلفُ الأسنّة فيّ أحبُ إليّ، وأمثال هذا متعدد. والذي يُعين على ذلك شيئان وهما قوة المُقتضي وضُعف الشاغلِ.
لقد جاء الأمرُ الأول وهو اجتهاد العبدِ في أن يعقلَ ما يقولهُ ويفعلهُ وأن يتدبّر القراءةِ، والذكر والدعاء، ويستحضر أنهُ مناجٍ لله تعالى، كأنهُ يراه، فالمُصلي إذا كان قائماً فإنما يُناجي ربهُ، والإحسان: هو أن تعبد الله كأنك تراهُ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، ثم إذا ذاق العبدُ حلاة الصلاة كان انجذابه إليها مؤكد، وهذا يكون بحسب قوة الإيمان، والأسباب المقوية للإيمان كثيرةً؛ ولهذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يقول: “حُبّب إليّ من دُنياكم: النساءُ والطيبُ وجُعلت قُرةُ عيني في الصلاة”. أخرجه أحمد. وفي حديث آخر أنه قال: “أرِحنا يا بلالُ بالصلاة” أخرجه أحمد. ولم يقل أرحَ منها.
زوال العارض: وهو الاجتهاد في دفع ما يُشغلُ القلب من تفكرِ الإنسان فيما لا يعينهُ، وتدبرُ الجواذب التي تجذب القلب عن مقصود الصلاة، وهذا في كل عبد بحسبهِ، إنّ كثرة الوساوس تكون بحسب كثرة الشبهات والشهوات، وتعليق القلب بالمحبوبات التي ينصرف القلب إلى طلبها ورغباتها، والمكروهات التي ينصرف القلب إلى دفعها.

أنواع الوساوس:

والوساوس، إما من قبيل الحب، من أن يخطر بالقلب ما قد كان أو من قبيل الطلب، وهو أن يخطر في القلب ما يريد أن يفعلهُ.
إنّ الوساوسُ ما يكون دائماً من خواطر الكُفر والنفاق، ويتألمُ لها قلبُ المؤمن تألماً شديداً، كما قال الصحابةِ: “يا رسول الله، إنّ أحدنا ليجِدَ نفسهُ ما لأن يخِرّ من السماءِ أحبُّ إليه من أنّ يتكلم به، فقال: أوجدتموهُ؟ قالوا: نعم، قال: ذلك صريحُ الإيمانُ، وفي لفظٍ آخر : إنّ أحدنا ليجدُ في نفسهِ ما يتعاظمُ أن يتكلم به، فقال: الحمدُ لله الذي ردّ كيدهُ إلى الوسوسةِ”. رواه أحمد وأبو داود.

الفرق بين وسواس الجن ووسواس الإنس:

لقد قال البعض من العلماء: بإنّ كراهةِ ذلك وبغضهِ وفِرارُ القلب منهُ، هو صريح الإيمان، والحمدُ لله الذي كان غاية كيدُ الشيطان الوسوسةِ؛ فإنّ شيطان الجنِ إذ غُلب وسوس، وشيطان الإنس إذا غلب كذب والوسواسُ يعرضُ لكل من توجه إلى الله تعالى بذكرٍ أو غيرهُ، لا بُدّ له من ذلك، فينبغي للعبدِ أن يُثبت ويصبر، ويُلازم ما هو فيه من الذكرِ والصلاةِ ولا يضجرُ أبداً؛ فإنهُ بملازمةِ ذلك ينصرف عنه كيدُ الشيطان، فقال تعالى: “إنّ كيدَ الشيطانِ كانَ ضَعيفا” النساء:76. وكلما أراد العبدُ توجهاً إلى الله تعالى بقلبهِ، جاء الوسواسِ أمور أخرى، فإنّ الشيطان بمنزلةِ قاطعِ طريقٍ، فكُلما أرادُ العبد أن يسير إلى الله تعالى أراد الوسواس قطع الطريق عليه؛ لهذا قيل لبعض السلف: إنّ اليهود والنصارى يقولون: لا نوسوسُ فقال: صدقوا، وما يصنعُ الشيطان بالبيت الخراب” وتفاصيلُ ما يعرض للسالكين طويلٌ موضعهُ.


شارك المقالة: