حكم رفع اليدين عند القنوت:
وهذا الأمر ينقسمُ إلى فرعين وهما: حكم رفع اليدين عند القنوت والثاني: صفة رفع اليدين عند القنوت.
الفرع الأول: حكم رفع اليدين عند القنوت:
لقد اختلف العلماء في حكم رفع اليدين عند القنوت على أربعة أقوال وهي:
القول الأول: لا يُشرع رفع اليدين عند القنوت، وهو قول المالكية، ووجه عند الشافعية. وقال به: ابن المسيب وابن شهاب والأوزاع في رواية. وقد استدل أصحاب هذا القول بحديث أنس بن مالك: أن النبي عليه الصلاة والسلام كان لا يرفعُ يديه في شيء من الدعاء إلا عند الاستسقاء حتى يُرى بياض إبطية أخرجه البخاري.
ووجه الاستدلال، أنه لو كان رفع اليدين في غير الاستسقاء كالقنوت مشروعاً لفعله النبي عليه الصلاة والسلام. ونوقش هذا الأمر من وجهين وهما: الأول: أن أنساً أخبر بما رأى، وقد رأى غيرهُ النبي عليه الصلاة والسلام يرفعُ يديهِ في غير الاستسقاء. وأجيب: بأن من رأى النبي عليه الصلاة والسلام يرفع يديه لم يره يرفع يديه في قنوت الوتر. أما الثاني: أن أنساً أراد أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يرفع يديه هذا الرفع الشديد حتى يُرى بياض إبطيه إلا في الاستسقاء.
القول الثاني: لا يُشرع رفع اليدين عند القنوت، ويُشير بإصبعه. وقال به: الحسن والأوزاعي في رواية. ومن أدلة القول الثاني القياس على الإشارة بالإصبَعِ في الدعاء حال التشهد، ونوقش هذا الأمر من وجهين وهما: الأول: أنه قياس معارض بما تقدم في أدلة القول الأول. أما الثاني: وهو بأن العبادات لا يصح القياس فيها. وأيضاً هناك دليل آخر وهو القياس على الدعاء في خُطبة الجمعة، ونوقش بما نوقش به الدليل الأول.
الدليل الثالث: وهو يرفع يديهِ لتكبير القنوت، ثم يرسلهما وهذا كان قول أب حنيفة والليث بن سعد.
ومن أدلة هذا القول: هو أن ابن مسعود رضي الله عنه كان يرفع يديه في الوتر ثم يرسلهما بعد. ووجه الاستدلال: هو أن رفع ابن مسعود يديه عند التكبير لافتتاح القنوت ثم إرسالهما يدل على شرعية ذلك. ونوقش هذا الأمر من وجهين وهما: الوجه الأول: بأنهُ أثرٌ لا يصح. والثاني: أنه فعل صحابي وليس بحجةٍ.
القول الرابع: يُستحب رفع اليدين عند القنوت، وهو المذهب عند الشافعية، وقول أحمد، وهو المذهب، وقال به بعضُ الحنفية، وهو قول ابن مسعود، وأبي هريرة وابن عباس والنخعي وغيرهم. ومن الدليل على هذا القول هو أن عمر كان يقنتُ بعد الركوع ويرفع يديه حتى يبدو ضبعاه، ويسمع صوته من وراء المسجد. ووجه الاستدلال: أن عمر كان يرفع يديه عند القنوت، ولم يُعرف له مخالف. ونوقش من وجهين: الأول: أهما أثران ضعيفان. والثاني: أنه فعلٌ صحابي، وفعل الصحابي ليس بحجةٍ.
صفة رفع اليدين عند القنوت:
وهو الفرع الثاني من فروع حكم رفع اليدين في القنوت. وقد اختلف العلماء القائلون باستحباب رفع اليدين عند القنوت في صفة رفع اليدين عند القنوت، على قولين وهما:
القول الأول: أن يرفع يديهِ إلى صدره ويبسطها، وبطونهما نحو السماء. وقال به عامة القائلين باستحباب رفع اليدين عند القنوت من الحنفية، والشافعية والحنابلة.
–وقال به أيضاً ابن مسعود. ومن أدلة هذا القول هو حديث مالك العوفي، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إذا سألتم الله فاسألوه ببطونِ أكفكم ولا تسألوه بظهورها” أخرجه أبو داود.
واستدلوا به من وجهين وهما: الوجه الأول: أن النبي عليه الصلاة والسلام أمر بأن تكون بطون الكفين في الدعاء باتجاهِ السماء، ولا يكون ذلك إلا أن يرفع يديهِ بحذاءِ صدره أو دونهِ. أما الوجه الثاني: أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى أن تكون ظهور الكفين في الدعاء نحو السماء، وإذا رفع يديه إلى أعلى من حذو الصدر كانت ظهور الكفين نحو السماء.
–حديث ابن عباس، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: “المسألة أن ترفع يديك حذو منكبيك أو نحوهما” أخرجه أبو داود.
القول الثاني: وهو أن يرفع يديه حتى يُخرج ضبعيهِ. وقال بذلك عمر وابن عباس. ومن أدلة هذا القول هو حديث أنس رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام استسقى، فأشار بظهر كفيه إلى السماء. ووجه الاستدلال: هو أن النبي عليه الصلاة والسلام دعا بظهر كفيه، ولا يكون ظهر الكفين إلى السماء إلا أن يرفعهما حذو رأسه. ونوقش هذا القول من وجهين وهما: الأول: أنه دعاء خاص بالاستسقاء. والثاني: أن هذا الدعاء كان خارج الصلاة.