اقرأ في هذا المقال
حكم من عاهد الله وأخلف في الإسلام
إذا عاهد شخص الله تعالى، فعليه أن يوفي بعهدهِ، فقال تعالى: “وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ” النحل:91. إذا عاهد الله أن يبتعد عن الذنوب، إذا عاهد الله أن يبر والديه، إذا عاهد الله أن يصل رحمه، إذا عاهد الله ألا يؤذي جيرانه فعليه أن يستمر ويُلزم العهد، وإذا أخل بالعهد فقد خاطر بنفسه فيتوجب عليه التوبة إلى الله والاستغفار والندم وعدم العودة، وهذا هو المُشرع في الإسلام، وإن دفع عن ذلك كفارة يمين فلعله حسن؛ لأنّ بعض أهل العلم قال ذلك، فالأمر في هذا واسع، لكنّ المهم التوبة والاستغفار، يعني: المهم أنّه إذا عاهد ونقض يستغفر الله ويتوب إليه ولا يعد، هذا هو الواجب على المؤمن، سواء استغفر لهم جميعًا أو لكل واحد على حدة.
إنّ العهد يأتي على عدّة صيغٍ معينة منها “النذر“ الذي لا ينعقدُ إلّا عن طريق القصد والنية، بل يجب أن يتلفظ بها بصيغة العهد والنذر، وصيغة العهد هي أنّ تقول: عاهدتُ الله، أو عليّ عهد الله أن أفعل كذا أو أن أترك كذا، أو إذا رُزقت العافية أو إذا رجعتُ من السفرِ سالماً عليّ أن أدفع مبلغ كذا. وبناءً على ذلك لا ينعقدُ النذر والعهد بدون إجراء الصيغة.
أمّا العقد، وهو يعتبر إلزام والتزام، سواء وُجد فيه يمين أو لم يكن، ولذلك أيضاً هو يُشبه النذر أو اليمين. فقد اختلف أهلُ العلم في صيغة أعاهد الله على أمرٍ معين. فقال الحنفية إلى أنها من الإيمان؛ لأنّ اليمين هي عهد الله على تحقيقِ شيءٍ أو نفيه كما قال المالكية وكما قال مذهب الحنابلة عند ابن قدامة، وعند الشافعية تكونُ يميناً بالنية كما في تحفة المحتاج. ذهب أبو بكر الجصاص في أحكام القرآن إلى أنّ العهد هو نذر، فقال في سورة التوبة: “وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ – فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ – فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ” التوبة:75-77.
فدلالة هذه الآية هي على أنّ من نذرَ نذراً فيه قُربةً، فقد لزمهُ وفاء؛ وذلك لأنّ العهد هو النذر والإيجاب، مثل: إن رزقني الله ألف درهم عليّ أن أتصدق منها بخمسمائة وما شابه ذلك.
ما هي كفارة إخلاف الوعد مع الله؟
قال ابن قدامة: إذا قال عليّ عهد الله وميثاقهِ لأفعلنّ، أو قال: وعهدُ الله وميثاقهِ لأفعلنّ، فيُعتبر يميناً، وإن قال: والعهدُ والميثاق لأفعلنّ، ونوى في ذلك عهد الله، فقد احُتسب يميناً؛ وذلك لأنه نوى الحِلف بصفةٍ من صفات الله تعالى.
أمّا رأي ابن تيمية رحمه الله في العهد فقال: أنّها تارةً تكونُ يميناً ونذراً، وتارةً أخرى تصبح يميناً فقط. فقال العهودُ والعقود متقاربةٌ في المعنى أو تكون متفقة، فإن قال: أُعاهدُ الله إنّي أحجّ العام لبيت الله فقد أصبح نذراً وعهداً ويمين. وإن قال: لا أكلمُ فلان، فيُعتبر عهدٌ ويمين وليس نذراً. فالإيمانُ هنا تضمنت معنى النذر، وهو أنّ يلتزمُ لله قُربةً، فيلزمُ هنا الوفاء وهي عقد وعهد ومعاهدةً لله؛ لأنّه التزم لله ما يطلبهُ الله منهُ.
وأنّ من لَم يفعل بما عاهد الله عليه، فقد خلفَ العهد الَّذي بينه وبين ربه، وتوجب عليه أن يتوب، وكفارةُ يمين وهذا كان اختيار ابن تيمية قال: إن ما وجب بالشرع إن نذره العبد، أو عاهد الله عليه، أو بايع عليه الرسول، أو الإمام، أو تحالف عليه جماعة، فإنّ هذه العهود والمواثيق تقتضي له وجوباً ثانياً غير الوجوب الثابت بمجرد الأمر الأول، فتكون واجبة من وجهين، بحيث يستحق تاركها من العقوبة ما يستحقهُ ناقض العهد والميثاق، وما يستحقه عاصي الله ورسوله، وهذا هو التحقيق، وهي رواية عن أحمد، وقاله بذلك أيضاً طائفة من العلماء. ثم استدل رحمه الله على ذلك بدليل من كتاب الله ومنها قوله تعالى: “الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ”، ثم قال: فإنّ الله أعلن عهدهُ الذي أمرهم به، من بعد ما أخذ عليهم الميثاق بالوفاء به، فاجتمع فيه الوجهان: العهدي، والميثاقي.
مثال على العهد وعدم الوفاء به
هناك مثال على معاهدة الله وعدم الوفاء به وهو أن شخصاً يشرب السجائر وعاهد الله على تركه ولم يتركهُ، فالأفضل في الدين أنّ يُبرأ ذمتهُ وأن يتوب إلى الله، إذا أخلف العهد مع الله تعالى، كما يتوجب عليه كفارة اليمين لأنّه خلف العهد، وهي أن يُطعم عشرةُ مساكين من أوسط ما يأكل أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فإذا لم يجد أن يصوم ثلاثة أيام. لقوله عليه الصلاة والسلام: “لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمين” رواه أحمد.