ما هو سبب الكفارة؟

اقرأ في هذا المقال


سبب الكفارة:

يتنوع سبب الكفارة إلى نوعين: الأول سبب مَشروعيتها، والثاني سبب وجوبها.

  • سبب مشروعيتها: إنَّ الكفارة تُعدّ سبباً لصدق التوبة بعد الشعور بارتكاب الحوبة، وهذا دليل على صدق نية العبد في إخلاصه لله وإسلامه له وشعوره بمعصيته وخوفه من الله يدفعه إلى الرغبة في سترها أو محوها واستشعاراً لعفو الله عنه بعد تقديمه الشيء المقدر من قبل الشرع جبراً لما ارتكبه من عصيانٍ ودليل على صدق الإيمان وحسن عهده مع الله أن لا يعصيه مرةً أخرى بارتكاب مثل هذه الخطيئة التي قام بالتكفير عنها، فكأنه يُجدد عهده مع الله تعالى.
  • سبب وجوبها: وسبب وجود الكفارةِ يدور مع القول أو الفعل المحظور الذي يرتكبه المكلف، فالبنظرِ إلى القول فإنَّنا نجد أن له جانبين وهما: الخطرُ والإباحةِ، بمعنى أن يكون مباحاً من وجهٍ آخر؛ لأن السبب لا بدّ وأن يكون على وفق الحكم، فالقتل الخطأ مباح باعتبار عدم التعمد ومحظور لعدم التثبت. والإفطار عمداً مباح نظراً؛ لأن فعل الفطرِ مملوكٌ للمكلف يفعله من تلقاءِ نفسه ومحظورٌ لكونه جنايةً على عبادة الصوم خلال الوقت المقدر له شرعاً، وأما كفارة اليمين فإنَّ سببها قد يكون اليمين المنعقدة لإضافة الكفارة إليها، وذلك لقوله تعالى:”وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ ۖ” المائدة:89. فكفارته الآية، فإنَّ الكفارة أضيفت إلى اليمين المنعقدة، فكأن اليمين سببها وهو مباح؛ لأن المكلف يحلف ليقوى ما أقسم عليه ويكون محظوراً إذ الواجب على الحالف أن يبرِ ومن ثم لا يكفر إلا إذا انعدم البر باليمين، فقال تعالى:”وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا” البقرة:224. وربط الكفارة باليمين وفيه جانبي الحظر والإباحة يؤيده ما يلي، أنه قد ورد في معنى هذه الآية ثلاثة أقوالٍ وهي:

    القول الأول:
    أن معناها: لا تجعلوا اليمين بالله علةً مانعةً لكم من البرِ والتقوى من حيث تعتمدونها لتُعللوا بها حلفنا بالله ولم تحلفوا به وهذا الرأي روي عن الحسن وطاوس وقتادة وأصلهُ في هذا الموجه الاعتراض الذي هو المانع بينكم وبين البر والتقوى؛ لأن المعترض بين الشيئين هو الحلف، ويكون مانعاً من الوصول إلى البر والتقوى، ولهذا كان الأولى به أن يُكفر ليَبرّ ويتقي ربه ثم تكون الكفارة مرتبطةً باليمين.

    القول الثاني:
    أن عُرضة أيّ معناهاَ حجةً فكأنه قال لا تجعلوا اليمين بالله حجة في المانع من البر التقوى، فإنَّ كان قد سلف منكم يمينً ثم ظهر أن غيرها خير منها فكفروا وافعلوا ولا تحتجوا بما سلف من اليمين ومن هذا القبيل يمين أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أن لا ينفق على مسطح، فقد أمر بالتكفير عن اليمين والإنفاق، وهذا مرويٌ عن ابن عباس ومجاهد والربيع والأصل في القولين واحدٌ؛ لأن المنع من جهة اليمين ليكون عرضةً للمنع عن البر أو حجة المنع.

    القول الثالث:
    أيضاً أن معناها لا تجعلوا اليمين بالله عادةً مبتذلة في كل حقٍ وباطل؛ لأن تبروا في الحلف بها وتتقوا المأثم فيها، وهذا مروي عن عائشة رضي الله عنها؛ بأنها قالت: لا تحلفوا به وإنَّ بررتم. وإنَّ أضيفت إلى الحنث فهو دائر بين الحظر والإباحة، أما جانب الحظر، فلأن المفروض على المكلف أن لا يحلف اليمين، وهو يريد الحنث فيه فإنَّ ذلك أمر محظور. وأما الإباحة، فإنَّ المكلف إذا حلفه على شيءٍ ورأى غيرهُ خيراً منه، فمن فضل المشرع أن أباح له الحنث والتفكير عنه ونؤيد ما نقول: قول الله تعالى:”إِذَا حَلَفْتُمْ ۚ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ۚ ” المائدة:89. ومعنى هذه الآية ورد في قولان:
    الأول: يريد لا تحلفوا، وهو مروي عن ابن عباس رضي الله عنه.
    الثاني: احفَظوا أيمانكم عن الحنث فلا تحنثوا وهو اختيار الجبائي. وهذا هو الأقوى؛ لأن الحلف مباحٌ إلا في معصيةٍ بلا خلاف، وإنَّما الواجب تركُ الحنث، وفيه دلالة على أن اليمين في المعصية لا تنعقد؛ لأنها لو انعقدت للزم حفظها وإذا كانت لا تنعقد فلا يلزم فيها الكفارة.
    وأما كفارة الظهار، فإنَّ قلنا بأن سببها الظهار فهو دائر بين الحظر والإباحة. أما من حيث الإباحة فإنَّه قولٌ كسائرِ الأقوال التي ينطق بها المكلف، فيكون مباحاً وأما الحظر فإنَّه محظور؛ لأن الله قد وصفه بأنه منكر من القول وزوراً. وإذا قلنا سبب كفارة الظهار هو: الظهار والعَودَ فيها، فالعودُ مباح؛ لأنه إمساكٌ بمعروفٍ، وينقضي الظهار الذي هو منكرُ من القول وزورا. وأما كفارة الحلقُ في الحج، فإنَّها ترتبط بالحَلق، والحلق دائر بين الحظر والإباحة. وأما الإباحة، فإنَّه يُباح فعله عادة في الحج وكذلك بعد أن يبلغ الهديَ محلهُ، وأما كونه محظوراً، فإنَّ حظره قبل أن يبلغ الهدي محلهُ، فإنَّ فعل ذلك لعذرٍ كَفَرَ عنه بالفديةِ المقدرة.

شارك المقالة: