طعام المؤمنين في زمان الدجال:
– قال الله تعالى: “قال عيسى ابنُ مريم اللهم ربّنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيداً لأولنا وآخرنا وآيةً منك وارزقنا وأنت خيرٌ الرازقين” المائدة:114.
– عن عائشة رضي الله عنها أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم ذكَرَ جهداً شديداً يكونُ بين يدي الدّجال فقلتُ: يا رسول الله فأينَ العربُ يومئذٍ؟ قال: “يا عائشة العربُ يومئذٍ قليل. فقلتُ: ما يُجزئُ المؤمنين يومئذٍ من الطعام؟ قال: ما يُجزئ الملائكةِ التسبيحُ والتكبير والتحميدُ والتهليلُ قلت: فأي المال يومئذٍ خيرٌ؟ قال غلامٌ شديد يسقي أهله من الماء، وأما الطعامُ فلا طعام”. أخرجه أحمد.
– عن ابن عمر رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم سئلَ عن طعامِ المؤمنينَ في زمن الدّجالِ فقال: “طعام الملائكة، قالوا: وما طعامُ الملائكةِ؟ قال: طعامهم منطقهم بالتسبيح والتقديس فمن كان منطقهُ يومئذ التسبيح والتقديس أذهبَ اللهُ عنهُ الجوع فلم يخشَ جوعاً”. أخرجه الحاكم في الفتن.
شرح الأحاديث:
يتضحُ من الحديثين السابقين، وغيرهُ من الأحاديث أنّ المؤمنين لا يُحرمون من عناية الله تعالى بهم، فإنّ ثباتهم على الحق وصبرهم عليه يُثابون عليه خير الثواب، باستغنائِهم عما جبلوا عليه من طلب للطعامِ يسدون به رمقهم ويُعتاضون به بطعامِ الملائكةِ ألا وهو التسبيح.
إنّ الحديثان السابقانِ يشهدُ لهما واقع الكرة الأرضية قبل وفي زمان الدّجال، حيث أنهُ يعم القحط الأرض قبل الدّجال، ويُعزز ذلك الدّجال في حربه على المؤمنين فيشحُ الطعام في أيديهم، فيُجزئهم عنه التسبيح الذي يجعلهُ الله سبحانه وتعالى كرامةً لهم وسبباً في دفعِ الجوع كالطعام، والأمر كله لله تعالى.
ويتضحُ أيضاً من الحديث الأول بأنّ التسبيح يُجزئ عن الطعام، أما الشراب فنظراً لتوفر أسبابهِ بين أيديهم ببعض السعي، فلا يُعوضهُ التسبيح.
إنّ هذه الكرامة توضحُ لنا معنى قول النبي عليه الصلاة والسلام عن الدّجال أنهُ أهون من ذلك، أيّ أحقر من أنّ يقهر المؤمنين بقطعِ أسباب الحياة عنهم، وما يراه المفتونون به من قطع أسباب الحياة كالطعام عن المؤمنين، عوضه الله تعالى لهم بأمر خفي عن الناس، وهو حصول الشبع أو سدّ رمق الجوع بأمر غير مرئي للناس.
والذي أنزل مائدة من السماء على عيسى عليه السلام وأتباعه في أول أمره قادر على أن ينزل مائدة على أنصار ملة الحق ممن يستحقون نزول عيسى عليه السلام في آخر أمره، ولعلّ كون التأييد لأهل الحق في ذلك بطعام غير معهود فيه من الحكم الكثير، منها: استدراج الدّجال وأتباعه المفتونين به، حيث يرون غروراً من أنفسهم أنهم قادرون على كل شيء، وهذا من تمام الفتنة بهم والمد في غيهم وطغيانهم، ومنها أنّ المؤمنين في ذلك الوقت ناسب حالهم من الاستغناء عن الدّجال وشهواتهِ وطعامه، أنّ يرزقوا صفة الاستغناء حقيقة عن أهم عناصر الحياة البشرية، ومن يستغنِ يغنه الله، ومنها أنهم استحقوا وهم في شدتهم وقيامهم على عمل الملائكة أنّ يكونوا مثلهم في الاستغناء عن الطعام.