موقف عاد من معجزة هود:
لقد أرسل الله نبيه هود عليه السلام إلى قومه عاد يدعوهم إلى الإيمان بالله وحده وترك عبادة الأصنام وأيد الله نبيه هوداً عليه السلام بالآيات التي تُصدقه في دعواه، ولكن قومه جحدوا وكفروا بتلك الآيات التي جاء بها نبي الله هود عليه السلام، وأنكروا ذلك، ونفوا أن يكون هود قد جاءهم ببينة كما أخبر الله تعالى عن ذلك في محكم الكتاب والتنزيل: “قَالُوا يٰهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِىٓ ءَالِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ” هود:53.
وقد ذكر الطبري: “وما نحنُ بتاركي ءالهتِنا عن قولك” أي لن نترك عبادة الأصنام لمجرد قولك. “وما نحنُ لك بِمؤمنين” قالوا: وما نحن لك بما تدعي من النبوة والرسالة من الله إلينا بمُصدقين لك.
لقد ذكر أبو السعود: أي، ما نحنُ بمُصدقينك في شيء مما تأتي وتذر فيندرج تحتهُ ما دعاهم إليه من التوحيد وترك عبادة الآلهة وفيه من الدلالة على شدة الشكيمة وتجاوز الحدّ في العتو ما لا يخفى على أحدٍ من الناس.
فهؤلاء هم قوم عاد كذبوا رسولهم ونفوا الإيمان عن أنفسهم حتى لو جاءهم هود عليه السلام بكل معجزات الأرض لن يؤمنوا، وكل ذلك السبب هو العتو والبطش والقوة التي أعطاه الله لهم فكفروا وعاثوا في الأرض الفساد وكفروا يآياتِ الله عزّ وجل، ويؤكد ذلك قوله تعالى: “وَتِلْكَ عَادٌ ۖ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ” هود:59.
وذكر الطبري في تفسيره: وهؤلاء الذين أحللنا بهم نَقمتنا وعذابِنا هم قوم عادٍ، كذبوا بآياتِ الله، وجحدوا بأدلتهِ وحججه، وعصوا رسله الذين أرسلهم إليهم للدعوة إلى توحيده واتباع أمره، واتبعوا أمر كل مستكبر على الله، حائدٌ عن الحق، لا يُذعن له ولا يقبله؛ لأنه مخالفٌ لهواه.
ذكر الرازي: أنهم جحدوا دلالة المعجزات على صدق النبوة والرسالة، ودلالة المُحدثات على وجود الصانع الحكيم، وبهذا الجحود فقد ثبت أنهم كانوا زنادقة القوم. فقال تعالى: “واتّبعوا أمرَ كُلّ جبّارٍ عَنيد” أي أن الضعفاء والسفلة من القوم اتبعوا أمر الأشراف والرؤساء من القوم، الذين كذبوا هوداً عليه السلام وتكذيب هود هو تكذيب لجميع الرسل؛ لأن رسالتهم واحدة، وهي التوحيد وقال هؤلاء الضعفاء بقول الكبار مقلدين لهم، “ما هذا إلّا بَشَرٌ مثلكم” المؤمنين:24.
ذكر البيضاوي: أن قوم عاد عصوا وكذبوا نبي الله هوداً الذي دعاهم إلى الإيمان، وما ينجيهم في الدنيا والآخرة، واتبعوا وأطَاعوا أمر كبرائهم الذين دعوهم إلى الكفر، وما يَستوجبُ عليهم العذاب. ويلاحظ الباحث: أن قوم عاد نفوا عن أنفسهم الإيمان في الآيات الأولى رغم وجود البينة وفي الآية الثانية، فقد جحدوا وكذبوا وكفروا به واتبعوا أمر رؤسائهم وكبارهم الذين لا يغنون عنهم من عذاب الله شيئاً، وخالفوا أمر نبيهم الي يوصلهم إلى مرضاة الله تعالى.