وقت الأذان الأول لصلاة الفجر
إنّ وقت الأذان الأول لصلاةِ الفجر يكون قبل طلوع الفجر الصادق، وعند طلوع الفجر الكاذب، وقد يقدر في وقتنا بنصف ساعةٍ أو أكثر أو أقل بقليل، ولا يقدم كثيراً؛ وذلك لما روى الشيخان وهما: البخاري ومسلم عن عائشة وابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إن بلالاً يؤذن بليلٍ، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ، قال: ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويرقى هذا” .ولما جاء في حديث ابي ذر رضي الله عنه عند الطحاوي ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال: “إنك تؤذن اذا كان الفجر ساطعاً، وليس ذلك الصبح، إنما الصبح هكذا معترضا” وهو معلومٌ والعلة من مشروعيته هي الاستعداد لصلاة الفجر، وإدراك أول وقتها، وإدراك الوقت الفاضل للسحور.
وقد روى مسلم في صحيحه عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يغرنّكم من سحوركم أذان بلالٍ ولا بياض الأفق المستطيل هكذا، حتى يستطير هكذا”؛ يعني معترضا رواه مسلم.
والأولى أن يكون الأذان في أول وقت دخول الصلاة حتى لو أخرت الإقامة، إلا للجامعة الواحدة المسافرة، ولا يتقيد بأذانهم إلا هم، فلا حرج من تأخيره إلى حين الإقامة بقليل؛ فقد روى ابن ماجد من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: “كان بلال لا يؤخر الأذان عن الوقت ،وربما أخر والإقامة شيئاً”.
لقد منن النبي عليه الصلاة والسلام أنّ جعل للفجرِ أذانينِ، الأول: وهو أذانٌ بالليل قبل دخول الوقتِ بمدة حتى يستيقظ النائم، وينتبهُ القائم، ويتسحر من أراد الصيام. والثاني: أذانٌ عند دخول وقت صلاة الفجر، وهو الذي يُمسك الناس فيه عن الطعام والشراب، ويبدأ فيه الصوم.
وفي هذا الحديث بيانٌ لذلك، حيثُ يُخبرُ النبي عليه الصلاةُ والسلام بأن أذان بلالُ بن رباح لصلاة الصبح إنّما يكون قبل دخول الوقت، فلا يمنعنّ هذا الأذان أحداً من سحورهِ.
والسَحور بالفتحةِ يأتي بمعنى ما يُؤكل، أما السحُورُ بالضَّمة: هو فعل التَّسحر، أي: تناول الطعام قبل دخول الفجر لمن نوى الصيام، وسبب عدمِ الامتناعِ عن السحور بأذان بلال أنه إنما يؤذن في الليلِ قبل دخول وقت الصلاة؛ من أجل إعلام القائم المصلي بالليل بقرب الفجر، فيرجع لنومه قَليلاً؛ ليقوم للفجر نشيطاً، أو يكون له حاجة في السحور فينهض لسُحوره، وليُوقظ النائم؛ ليتأهب للصلاةِ.
ويوضحُ هنا عليه الصلاة والسلام بالفرق بين الفجر الصادق والفجرُ الكاذب. فالفجر الكاذب ليس بشيءٍ، ولا يمسِك عنده الصائم ولا يصلي الناسُ فيه صلاة الفجرِ، ودليلُ ذلك أنه نُور مستطيل يظهر بطول السماء، ولذا أشار النبي صلى الله عليه وسلم بأصابعه من أعلى لأسفل، مبيناً عليه الصلاة والسلام بهذه الإشارة أن هذا النور المستطيل مِن أعلى إلى أسفَل ليس هو الفجر.
معنى الفجر الصادق
وأما الفجرُ الصادق الذي يمسك عنده الصائم، وبه يدخلُ وقت الصلاة؛ هو ذلك النور الذي يظهر بعرضِ الأُفق، وعبر عنه في الحديث بقولِه: “حتَّى يَقُولَ هَكَذَا”، بمعنى: حتى يظهر الفجر هكذا مشيراً إلى عرض السماء، وبين زهير بن معاوية الجعفي إشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار بسبابتيه اللتين تليانِ الإبهام، وجعل إحداهما فوق الأخرى، ثم مدهما عن يمينه وشِماله؛ يبيِن أنّ الفجر الصادق هو النور الذي يعترِض الأفق في جهة الشرق جنوباً وشمالًا. وفي الحديثِ: زِيادة الإيضاحِ بالإشارة تأكيداً للتعليم. وفيه: بيان الفرق بين الفجر الصادق والكاذب. وفيه: أن وقت صلاةِ الفجر وآخر وقت السحور بعد طلوع الفجر الصادق.
الأذان والإقامة للصلوات الخمس في السفر
يُعتبر الأذان والإقامة مشروعانِ بالاتفاق في الحضر والسفر للمفرد والجماعة، وقد حكي عن مالك خلافة . وفيه وجهة نظر، بدليل حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال: “أتى رجلانِ إلى النبي صلى الله عليه وسلم يُريدان السفر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :“إذا أنتما خرجتما فأذنا، ثم أقيما، ثم ليؤمكما أكبرُكما”.
ولما رواه أحمد وأبو داود والنسائي من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “يعجبُ ربك عز وجل من راعي غنم في رأس شظية بجبل يؤذن للصلاة ويصلي” وروي عن بعض السلف الترخيص بتركه، وهو قول مالك، فقد روى مالك عن نافع عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه: “أنه كان لا يزيد على الإقامة في السفر الإ في الصباح، فإنه كان ينادي فيها ويقول: إنما والأذان للإمام الذي يجتمع الناس إليه”. وروى البيهقي وابن أبي شيبه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال في السفر: ان شاء أذن وأقام ، وأن شاء أقام.