آثار عدة الطلاق:
إنّ عقد الطلاق لا يقع صحيحاً إلا إذا وقع من الرجل في بدء طُهر زوجته، أو في وقت حمل مع كراهية ذلك،
وأنه يجب على المرأة البقاء في منزل الزوجيّة مـدة العـدة، وعلينا أن نعرف أنه إذا انقضى وقت العدة وبقي الرجل على موقفه من العزم على الطلاق. إن الطلاق يُعتبر نافذاً بانقضاء العدة وتصبح المرأة بعـد ذلك حُكمها كحكم المرأة الأجنبية بالنسبة للرجل. ولكن ثمة أمور معلقة وحقوق رتبها الشارع الحكـيم على عقد الطلاق وهذه الحقوق تختلف باختلاف حال المرأة وهي ما يلي.
النفقة والسكنى أثناء العدة:
النفقة والمسكن من حق المرأة على زوجها؛ لأنها ما زالت في عصمته، بل ما زالت زوجة لـه، ويجوز له أن يراجعها في أي وقت شاء، فهي ما زالت في بيته لا يجوز له إخراجها. ولذلك فالإنفاق على زوجته وأن يسكنها مدة العدة سواءً كانت ثلاثةَ قروء أو ثلاثة أشهرٍ أو مدّة الحمل التي قد تطول أكثر من ذلك. فإذا انتهت العدة انتهى وجوب النفقة والسكنى.
متعة الطلاق:
فرض االله على الرجال هدية مناسبة لحالتهم المالية يجب على كل منهم أن يعطيها لزوجته إذا أمضى عقد طلاقه من زوجته. ولا تخفى الحكمة من إيجاب هذه الهدية وهـو جبـر خـاطر الزوجة المطلقة، وإعطاء هذه الهدية دليل على أن الطلاق كان ضرورة وحلاً وحيداً بين الزوجين أرادا أن يعيشا فما استطاعا لسبب مـا، ولـيس نزوة عارضة.
وهذه المتعة “متعة الطلاق” كما أسلفت القـول هديـة واجبة أوجبها االله في آيتين من كتابه قال تعالى:“لَّا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً ۚ وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ ۖ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ“.البقرة 236. وفي هذه الآية يبيح االله لنا الطلاق من الزوجات ولو قبل الدخول بهن وكذلك ولو لم يكن قـد سمينا مهراً معيناً، ويوجب علينا لهن متعة مناسبة جبراً لخاطرهن.
إيفاد الحقوق:
ومن الحقوق المقررة في الشريعة أيضاً إعطاء المطلقة جميع حقوقها الماليّة المعلقة فـي ذمـة الرجل سواء كانت مهراً لم يدفعه. أو وعوداً مالية لم يف لها أو هدايا أعطاهـا إياهـا وقـت الزواج، ولا يجوز للزوج أن يسترد من زوجته المطلقة شيئاً من هذا أصلاً، ولا أن يجحد شيئاً مما وعد به أو التزم وهذا وإن كان من الأمور الفطرية التي جبل االله النفوس الطيبة عليها إلا أنه قد جاء في الشريعة أيضاً ما يوجب ذلك ليكون دليل القرآن مؤيداً لدليل الفطرة قال تعالى: “وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبيناً، وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً”. وفي هذه الآية من المعاني والأحكام والإيحاءات علوم كثيرة لا يتسع لها المقام والمهم الآن أن لا يجوز أن يأخذ الرجل من مطلقته شيئاً ممّا أعطاها “سواء كان مهراً أو غيره فاللفظ عام” ولو كـان قنطاراً من ذهب ولو لم يمكث معها غير ساعة واحدة.
حضانة الاولاد:
مَن مِنَ الزوجين أحقُ بحضانة الاولاد؟ ومن هو الأحقُ بضمهم إليه؟ الرجل أم المرأة. ولمزيد من التفاصيل سنتعرف من خلال هذه النقاط بحثاً عن الإجابة.
- إذا كانت المرأة حاملاً وقت الطلاق وجب على الرجل الإنفاق عليها حتى تضـع. فـإذا وضعت كانت المرأة بالخيار بين حضانة ولدها أو دفعه إلى أبيه. وإذا تولّت المرأة حضـانة ولدها، وجب على الرجل أن يكفلها وولدها وأن ينفق عليها النفقة المناسبة لحاله.
والرضاع الكامل يستغرق عامين. وقد نص االله سبحانه وتعالى على ذلك بقوله:”والوالـدات يرضعن أولادهن حملين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة، وعلـى المولـود لـه رزقهـن وكسوتهن بالمعروف -لا تكلف نفس إلا وسعها- لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولـده، وعلى الوارث مثل ذلك، فإن أرادا فصالاً عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهمـا، وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف، واتقوا االله واعلموا أن االله بما تعملون بصير”البقرة:233.
وفي هذه الآية أوجب االله النفقة على الرجل لأن المولود له، وأوجب نفقة زوجته المرضع على الوارثين إذا مات الرجل وزوجته حامل أو مرضع. وأباح االله للرجل والمـرأة أن ينفقـا على إرضاع المولود من غير أمه إذا كان هذا برضاها.
وليس للرجل أن يجبر مُطلقته على إرضاع ولده ولكن االله نهى المرأة أن تضار زوجها بذلك وخاصـة إذا لـم يجـد مرضـعة وحاضنة لابنه مثلاً، أو إذا كان الولد لا يهدأ ولا يسكن إلا لأمه التي ولدته، ونهى االله الرجل أيضاً أن يُضار زوجته بأولادها فيعتمد على حنانها الفطري ورحمتها بولدها فيمنعها حقها من النفقة أو ينزع الولد منها، وليس له ذلك بالطبع وهذا معنى قوله تعالى:“لا تضـار والـدة بولدها، ولا مولود له بولده”. - إذا أتم الطفل عامين وانفصل عن أمه، فهنا يأتي دور الحضانة والكفالة وقد شرع لنـا الإسلام في ذلك أكمل الطرق وأكثرها تحقيقاً للعدل والرحمة والإحسان فجعل المـرأة أحـق بكفالة أولادها وضمهم إليها ما لم تتزوج بعد الطلاق، يدل على ذلك حديث عمرو بن شـعيب عن أبيه عن جده (عمرو بن العاص)” أن امرأة قالت: يا رسول االله إن ابني هذا كان بطني له وحجري له حواء، وثديي له سقاء، وزعم أبوه أن ينزعه مني، فقال رسول االله صلى االله عليه وسلم: أنت أحق به ما لم تنكحي”. رواه الإمام أحمد والبيهقي والحاكم وصححه.
- ولكن الأولاد إذا كانوا مميزين يستطيعون التفريق بين أهمية البقاء في كنف الأب أو الأم فإنه يجوز تخييرهم في ذلك فإذا أحبوا البقاء مع الأم بقوا وإن استحبوا العيش في كنف أبيـه كان لهم ذلك. وقد جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وابن ماجة والترمذي وصـححه أن رسول االله صلى االله عليه وسلم “خير غلاماً بين أبيه وأمه”.
وفي رواية: أن امرأة جاءت فقالت: يا رسول االله إن زوجي يريد أن يذهب بابني وقد سـقاني من بئر أبي عنبة “أي صار كبيراً ويافعاً يأتيهما بالماء من مكان بعيد” وقد نفعني فقال رسول االله صلى االله عليه وسلم:”استهما عليه أي اجعلا قرعة، فقال زوجها: مـن يحـاقني فـي ولدي؟ فقال النبي صلى االله عليه وسلم: هذا أبوك وهذه أمك فخذ بيدك أيهما شئت، فأخذ بيد أمه فانطلقت به.
وهذا الحديث والذي قبله هما العماد في هذا الباب وخلاصتهما أن الأم أحق بولـدها مـا لـم تتزوج وأحق برضاعته أيضاً، وأنه يجب التخيير إذا وصل الأولاد حد التمييز سـواء كـانوا ذكوراً أم إناثاً وبهذا يراعي الإسلام مصلحة الأم أولاً لأنها أشد عناية ورحمة بولدها فطـرة وخلقاً، ثم يراعي مصلحة الولد بعد التمييز لأنه يدرك بفطرته أيضاً وبإحساسه المكان الملائم لنشأته في كنف الأم أو كنف الأب. وهذه نهاية العدل والمرحمة وذلك بدلاً من التقسيم التعسفي الذي لا يراعي الفطرة ولا الأولويات. - هذا وثمة أقوال كثيرة واختلافات للفقهاء في هذه المسألة أعرضنا عنها لمخالفتهـا أولاً الأدلة الصحيحة التي قدمناها ولأنها تنبني على الظن والاجتهاد وعدم الاعتماد على نص في المسألة وإنما عموميات فقط كالقول أن التخيير لا يجوز، أو الأم أحق بالأنثى من أولادها حتى تبلغ سن الزواج وتتزوج، وأن الذكر حتى يصل إلى البلوغ ويستغني بنفسه.