أحكام الشجاج:
وتقسم أحكام الشجاج إلى عدة مقاصد ومنها:
أحكام الشجاج التي لم ينص الشارع على ديتها “ما كان دون الموضحة”.
إن القاعدة المقررة في عقوبة الشجاج تقوم على أن كل فعل يستحق الجاني القصاص بفعله وهو” الفعل العمد الخالي عن الشبهة ” وجب القصاص فيه، وكل فعل لا يترتب على الجاني القصاص بفعله ” شبه العمد والفعل الخطأ “وجب في الدية أو الأرش.
ولذلك سنتاول أحكام الشجاج بهذا الاعتبار في ضوء تقدير الشارع لديتها أو عدم تقديره لذلك:
1. إذا كانت الجنايةُ عمداً:
الحارصة والداميةُ والدامعةُ والباضعة والمتلاحمة والسمحاق إذا كانت عمداً ففيها قولان:
– يجب فيها القصاص، وهو الأصح عند الحنفية، وبه قال المالكية، واستدلوا بقوله تعالى: ” وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ” المائدة:45. فإن المماثلة في استيفاء القصاص ممكنةً، وذلك بالقياس طولاً وعرضاً وعمقاً واعتبار المساواة فيه بأن يسبر غور الجرح، ثم يتخذ حديدةً بقدر ذلك الجرح فيقتصُ منه.
– لا قصاص فيها حتى وإن كانت عمداً، وإنما تجب فيها حكومةُ عدلٍ وهذا القولُ مروي عن الحسن البصري وأبي حنيفة والشافعية والحنابلة.
إن القصاص لا بد فيه من المماثلة في الاستيفاء، وهنا لا يمكن تحقيق المماثلة، وليست في هذه الشجاج ديةً مقدرةً شرعاً فيُصار إلى الحكومة.
فقد قال الماوردي من الشافعية: أن إثبات القصاص فيما دون الموضحة يصير إلى الاقتصاص منها موضحةً لاختلاف الحلقة في جلدة الرأس؛ لأنها تغلظُ من قومٍ وترقُ من آخرين ولا بدّ في الاقتصاص من تقدير عمقها حتى لا يتجاوز. وقد يكون عمقها من رأس المشجوج يبلغُ الموضحة من رأس الشاج، فنكون قد اقتَصصنا من المتلاحمة بالموضحة، فهذا غير جائز، لذلك فقد سقط القصاص فيما دون الموضحة.
فالرأي الأرجح هنا هو أن المقتص إذا أمنَ عدم الزيادة في القصاص على الشجة التي أصابته، فقد حاز له القصاص، وإن لم يأمن ذلك أخذ الأرش أو الحكومة.
2. إذا كانت الجناية شبه عمد أو خطأ:
ويشمل ذلك الحارصة والداميةُ والدامعةُ والباضعة والمتلاحمة والسمحاق إذا كانت شبه عمد أو خطأ، ففيها حكومة عدل باتفاق الفقهاء؛ لأنه لم يرد فيها شيءٌ مقدر من الشرع ولا يمكن إهدارها، فتوجب فيها حكومة عدل، وهذا إذا لم تبرأ الشجة، أو برئت على شين. فإذا برئت دون أثر فلا شيء فيها عند أبي حنيفة والمالكية والحنابلة؛ لأن الأرش إنما يجب بالشين الذي يلحق المشجوج بالأثر، وقد زال فسقط الأرش.
وقال أبو يوسف: عليه حُكمومة الألم؛ لأنّ الشِجة قد تحققت ولا سبيل إلى إهدارها، وقد تعذر إيجاب أرش الشجة، فيجب أرش الألم، وقال محمد: يجب قدر ما أنفق من أجرة الطبيب وثمن الدواء.
قال الكاساني من الحنفية: والقول بلزوم حكومة الألم غير سديد؛ لأن مجرد الألم لا ضمان له في الشرع كمن ضرب رجلاً ضرباً موجعاً، وكذا إيجاب أجرة الطبيب؛ لأن المنافع على أصل أصحابنا، لا تتقوم مالاً إلا بالعقد أو شبهة العقد ولم يوجد في حق الجاني العقد ولا شبهتهُ، فلا يجب عليه أجرة الطبيب.
وعند الشافعية: إذا برئت الشجة ولم تنقص شيئاً فهي وجهين:
الأول: لا شيء عليه كما لو لطمهُ أو ضربه بمثقلٍ فزال الألم ولم يحصل به نقص في جمال ولا منفعة لم يلزمه أرش، وهو الأصح عند الشافعية.
الثاني: فقد يفرض القاضي شيئاً باجتهاده لئلا تخلو الجناية عن غرم. ويُرجح هذا الأمر هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء، فالشِجة إذا لم تبرأ، أو برئت على شين كانت الحكومة بمقدار ما لحق المشجوج من الشينِ، وإذا برئت دون أثرٍ فلا شيء على الجاني.
شروط إعطاء الحكومة:
من شروط إعطاء الحكومة ألا يكون للجناية المراد تقديرها أرش مقدر من قبل الشارع، لذلك لا يجوز الاجتهاد في تقدير أرش شجة لها مقدر؛ لأن الاجتهاد في تقدير أرش شجة لها أرش مقدر؛ لأن الاجتهاد يجري في المسائل التي لم يرد نص من الشارع بشأنها.
ويٌشترط أيضاً أن يقوم القاضي أو المحكم المجني عليه لمعرفة الحكومة بعد اندمال الجرح وبِرئه لا قبله بناء على تقدير ذوي عدل من أطباء الجراحات؛ لأن الجرح قد يسري إلى النفس أو إلى ما يكون واجبة مقدراً، فيكون ذلك هو الواجب لا الحكومة، ولقد نقل ابن المنذر الإجماع على ذلك فقال: وأجمعوا على أن الانتظار بالقصاص من الجرح حتى يبرأ صاحب الجرح وهذا رأي من نحفظ عنه من أهل العلم.