أحوال وجوب الأرش:
لا بد قبل الحديث عن أحوال وجوب الأرش إيضاح أنواع الجناية على ما دون النفس بالنظر إلى توافر القصد وعدمهُ؛ لبيان محل الأرش فيها وموضعهُ.
أنواع الجناية على ما دون النفس بحسب القصد وعدمه:
تنقسم الجناية على ما دون النفس إلى عمد وخطأ. أما العمد فهي ما تعمدَ فيه الجاني الفعل بقصد العدوان. أما الخطأ: وهو ما تعمد فيه الجاني الفعل دون قصد العدوان. ولا يوجد في الجناية على ما دون النفس عمداً: فالواجب فيها القصاص، إلا إذا عفا المجني عليه مقابل الأرش، فيجب الأرش، أو عفا مطلقاً دون مال فله ذلك. وإذا كانت الجناية على ما دون النفس خطأً، ففيها الأرش ولا قصاصَ فيها.
والدليلُ على ذلك من القرآن والسنة الشريفة ما يلي:
أما الدليل من القرآن الكريم: هو قوله تعالى: ” وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ۚ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ” المائدة:45. فهذه الآيةُ الكريمة قد أوجبت القصاصُ في الجناية العمد على الأعضاء المذكورة، وعمّ الأعضاء بقوله تعالى:”والجُرُوحُ قِصَاصٌ” فهذه الآيةُ يستأنسُ بها في وجوب القصاص في الجناية العمد على ما دون النفس؛ لأنها وردت في شريعة بني إسرائل، وشرعَ من قبلنا هو شرعٌ لنا ما لم يرد في شرعنا ما ينسخهُ. وقد ثبت في شرعنا ما يؤكد القصاص كما سيتضح في الدليل من السنة.
أما السنة الشريفة:
إن ما روي عن أنس رضي الله عنهُ أن الربيع وهي ابنة النضرِ، كسرت ثنية جارية، فطلبوا الأرش وطلبوا العفو، فأبوا، فأتوا النبي عليه الصلاة والسلام، فأمرهم بالقصاص، فقال أنسُ بن النضير: أتكسرُ ثنية الربيع يا رسول الله؟ لا والذي بعثكَ بالحق لا تكسرُ ثنيتها، فقال: يا أنس، كتابُ الله القصاص. فرضي القوم وعفوا، فقال النبي عليه الصلاة والسلام، إن من عباد الله من لو أقسم على اللهِ لأبرهُ”. ففي الحديث أوجب النبي عليه الصلاة والسلام القصاص على الربُيع التي كسرت ثنية جارتها حيث قال:”كتاب الله القصاص”.، كما فيه دلالة على تشريع الأرش حيث طلب أولياء الجارية الأرش ولم يُنكر النبي عليهم ذلك فكان إقراراً منه بتشريع الأرش، إضافةً إلى أن أهل الجارية عفواً عن الربيع ورضوا وقبلوا الأرش فدل على جواز العفو عن القصاص مقابل الأرش.
أما الإجماع: فقد أجمع العلماء على وجوب القصاص فيما دون النفس إن أمكن ذلك في الجناية العمدية.