اقرأ في هذا المقال
أرش الجراحات المقدر المختلف فيه:
إن الأعضاء التي اختلف الفقهاء في تقديرها هي من الأطراف: الأذنان والأجفان واللّحيان وكسر الصلب والأليتانِ وقلع الظفر، ومن الشجاج ما دون الموضحة من الشجاج، والهاشمة والدامغة، ومن العظام: كسر الضلع والترقوة وكسر الزند.
تحرير محل النزاع:
اتفق العلماء على وجوب الدية المقدرة في الأعضاء التي ورد فيها نصٌ شرعي، واختلفوا في مقدار دية الأعضاء التي لم يرد فيها نص شرعي، وبعد استقرائي لمصادرِ الفقه المختلفة تبين أن هناك مذهبان للفقهاء في هذه المسألة وهما:
المذهب الأول: أن الواجب بالجناية على هذه الأعضاء ديةً مقدرة وهو مذهب الشافعية والحنابلة.
– أدلة أصحاب المذهب الأول هي: أنه استدل القانون بوجوب ديةً مقدرة في هذه الأعضاء بأن هناك علةً مشتركة بين الأعضاء المنصوص على حكمها وهي كونها ذات جمال ظاهر أو منفعة مقصودة والتنصيصِ على العلة يُفيد مشروعية تعدية الحكم إلى غيره عند توفر العلة.
– مناقشة أدلة أصحاب المذهب الأول: إن الدّية من المقدرات الشرعية التي يجوز فيها القياس يردُ عليه، يجوز القياس في المقدرات الشرعية إذا علم علتها ولم يمنع منه مانع، والعلة هنا معلومة ولا مانع من القياس فوجب كسائر الأحكام.
المذهب الثاني: وهو أن الواجب بالجناية على هذه الأعضاء دية مقدرة أو ما يسمى”حكومة العدل” وهو مذهب الشافعية والحنفية والمالكية.
– أدلة أصحاب المذهب الثاني: واستدل القانون بوجوب حكومة العدل في الأعضاء غير المنصوص على حكمها بعدم وجود نص صريح يُبين مقدارها وما لم تجب فيه دية مقدرة وجبت فيه حكومة العدل كما هو مقرر عند الفقهاء.
– مناقشة دليل أصحاب المذهب الثاني: لا يلزم من عدم وجود نص صريح عدم إيجاب الدية؛ فهناك أعضاء تجب فيها ديةً مقدرة لتوفيرعلة وجوب الدّية فيها بطريق القياس، حيث أجاز العلماء القياس في المقدرات الشرعية.
وهناك بعض الأعضاء المهمة في الجسم لم يرد فيها نص شرعي، ويترتب على فقدها ذهاب منفعة كاملة للجسم، مثل الكبد والقلب والرئتين، بل إن فقدان منفعتها بالكلية يؤدي إلى الوفاة، فلا يعقل أن نوجب فيها حكومة عدل لعدم وجود نصٍ يُصرح مقدارها.
سبب الخلاف بين العلماء في هذه المسألة:
نرى أن سبب الخلاف بين الفقهاء يعود إلى أمرين:
الأول: عدم وجود نصٌ صريح من القرآن أو السنة يُصرح بمقدار دية هذه الأعضاء.
الثاني: اختلافهم في مسألة أصولية، وهي إمكانية القياس في المقدرات الشرعية بين مجيز ومانعٍ؛ فمن أجاز القياس في المقدرات الشرعية أوجب دية مقدرة قياساً على الأعضاء المنصوص على ديتها، ومن منع القياس في المقدرات الشرعية أوجب حكومة عدلٍ لتعذر القياس.