أرش جراحة المرأة:
لقد اختلف العلماء في تقدير أرش جراح المرأة الحرة، وهل يستوي جراحها مع الرجل الحر أم لا؟ وفيما يلي تحرير محل النزاع لهذه المسألة.
تحرير محل النزاع:
اتفق العلماء على أن ديّة المرأة نصف ديّة الرجل في النفس، واختلفوا في أرش جراح المرأة فيما دون النفس على أربعة مذاهب مع دليل كل واحدٍ منهم:
- المذهب الأول: إن أرش جِراح المرأة نصفُ أرش جِراح الرجل. وهو كان مذهب الحنفية والشافعية في الجديد. والدليل: لقد استدل القائلون بأن أرش جراح المرأة على النصف من أرش جِراح الرجل بما يلي:
– ما روي عن معاذ بن جبل أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ديّةُ المرأة على النصف من ديّة الرجل وهو عام في النفس وفيما دون النفس؛ لأن لفظ الديّة يشل النفس وما دونها.
– ولأنَهما شخصان مختلفان في ديّة النفس بالاتفاق، فاختلف أرشُ أطرافِهما مثل المسلم والكافر.
– ولأنها جناية لها أرشٌ مقدر، فكانت المرأة على النصف من الرجل مثل قطع اليد والرجل. - المذهب الثاني: أرش جِراح المرأة يتساوى مع أرش جراح الرجل فيما دون ثُلث ديته، فإن جاوز أرشها ثلث الدية، وجب نصف ديتهُ؛ فإذا قطع للمرأة الحرة ثلاثة أصابع كان الواجب ثلاثين من الإبل إذ إن ذلك دون ثلث الدية، فيستوي الواجب بالنظر إليها مع الواجب بالنظر إلى الرجل الحر، ولكن إذ قطع لها أربعة أصابع كان الواجب عشرين فقط، وهو نصف ما يجب في قطع أربع أصابع الرجل الحر. وذهب إلى ذلك المالكية والحنابلة والشافعي في القديم.
وبناءً على هذا الرأي فإن المرأة تستوي مع الرجل في مُنقلتها وهاشِمتها ومُوضحتِها وآمتِها؛ لأن الواجب في كل منهما دون ثُلث الديّة، وتكون ديتها في الجائفة على النصف من دية الرجل؛ لأن الواجب في كل منهما أكثر من الثلث.
واستدل أصحاب الرأي الثاني على قولهم بما يلي:
– ما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى تبلغ الثُلث من ديتها.
– إجماع الصحابة، إذ لم ينقل عنهم خلاف ذلك إلا عن علي رضي الله عنه ولا يعلم ثبوته عنه.
– ولأنه إتلاف لآدمي موجبه أقل من ثلث الديّة، فوجب مساواة الأنثى للذكر فيه، أصل ذلك عقل الجنين؛ إذ إن مقدار ديّة الجنين خمسٌ من الإبل إذا سقط ميتاً بالجناية على أمه سواء كان ذكراً أو أنثى.
– ولأن كل فرض مقدر من المال وجب بالموت، فإن الأنثى تساوي الذكر في اليسير منه، أصلهُ السدس في حق الأخوة لأم، حيث يرث الأخ لأم السدس ذكراً كان أو أنثى إن لم يكن هناك فرع وارث ولا أصل وارث ذكر. - المذهب الثالث: أرش جراح المرأة يساوي أرش جراح الرجل إلى نصف عُشر الدية أي إلى موضحتهِ، فإن زاد على ذلك وجب نصف ديتهِ. وهذا الرأي مروي عن ابن مسعود.
واستدل أصحاب هذا المذهب على قولهم بالأثرِ والمعقول: من الأثر، ما روي عن ابن مسعود في جراحات المرأة والرجل قال: يستويان في الموضحة وفيما سوى ذلك على النصف. أما من المعقول، بأنها تساويه في الموضحة، فتُساويه فيما هو دون الموضحة، أما ما زاد على الموضحة ففيه نصف ديّة الرجل لعموم الأدلة التي توجب نصفُ ديّة الرجل. - المذهب الرابع: أرش جراح المرأة يساوي جراح الرجل إلى المُنقلة، وهذا الرأي مروي عن زيد بن ثابت. لم يرد لأصحاب هذا المذهب أدلة على قولهم، ولعلهم أخذوا بقضاء عمر بن الخطاب بأن في المُنقلة خمسَ عشرةَ من الإبل يستوي في ذلك الرجل والمرأة.
وبعد ذكر مذاهب العلماء وأدلتهم تبين أن المذهب الراجح هو المذهب الثاني والقاضي بتساوي أرش جراح المرأة مع أرش جراح الرجل فيما دون ثُلث ديته وذلك لما يلي:
– قوة أدلتهم، ولوضوح الأثر الوارد عن سعيد بن المُسيب وهو نصٌ صريح في ذلك.
– ما استند إليه أصحاب المذهب الأول من أدلةٍ لا تصلح للاحتجاجِ بها؛ فحديث معاذ ابن جبل عن النبي عليه الصلاة والسلام ضعيفُ الإسناد، ولو سلمنا بصحة إسناده فهو عام يحمل عليه الأحاديث التي خصت ما دون النفس بالتقدير.
– وقياسهم ديّة المرأة فيما دون النفس على ديتها في النفس هو قياس مع الفارق، فالنفس أعظم حرمة، لذلك شددَ الإسلام في أحكامها وخصمها بأحكام توجِب صيانتها والحفاظ عليها، كما أنه قياسٌ في معرض النص وهو غير جائز.