أفضل الصدقات الجارية:
إنّ الصدقة الجارية: وهي التي تمكثُ وتدوم لفترةٍ طويلة، مثل حفر بئر ماء يشربُ الناس منه على مدار الوقت، أو بناء مسجدٍ، أمّا الصدقة التي لا تدوم لفترةٍ طويلة، مثل إطعام الطعام، أو إعطاء فقير مال هذا وإن كانت صدقة لها ثوابها إلّا أنّها ليست جارية؛ لأنّها تدوم.
وقد اختلف العلماء بأنّه هل يجوز إهداء ثواب بعض الأعمال للأموات، وهل يصلهم ذلك، فاختلفوا في هذا الأمر على قولين وهما:
القول الأول: وهو أنّ كلُ عملٍ صالحٍ يُهدى للميت فإنّه يصلهُ، ومن الأمثلة على ذلك قراءة القرآن والصيام والصلاة وغير ذلك من العبادات.
أمّا القول الثاني: فقد دلّ على أنه لا يصلُ إلى الميت شيءٌ من بعض الأعمال الصالحة، إلّا ما نصّ عليه الدليل على أنّه يصله، وهو الأرجح، وهو الذي دلّ الأمرُ على وصول ثوابه إلى الميت وهو الصوم الواجب مثل النذر أو كفارة أو غير ذلك، وقضاء الدّين والحجّ والعمرة والدعاء والتصدق بالمال وغير ذلك. ومن أفضل الصدقات التي تصلُ إلى الأحياء والأموات هي ما يلي:
1- الصدقةُ التي تكونُ في الخفاء، بحيثُ إنَّها تحافظ على مشاعر الفقير، ونبتعد فيها عن مظاهر الرياء.
2- يجب أن توضع الصدقة في أوقات الصحة والعافية؛ لأنّها تقدم لنا المعنى الأمثل للصدقة بمساعدة الفقراء والمساكين.
3- وأفضلُ الصدقات أيضاً هي التي نقدمها على الواجبات، مثل الزكاة.
4- وأيضاً أفضل الصدقات، هي التي يُخرجها قليلين المال للذي هم أقلّ منهم، يعني أنّه لا يملكُ المال الزائد، ولكنّهُ يقدّمُ غيرهُ على نفسه.
5- وأفضل الصدقات التي يقدمها الرجل لأهل بيتهِ، فقال عليه الصلاة والسلام: ” أربعةُ دنانير: دينارٌ أعطيتَه مسكيناً، ودينارٌ أعطيتَه في رقبةٍ، ودينارٌ أنفقتَه في سبيلِ اللهِ، ودينارٌ أنفقتَه على أهلِك؛ أفضلُها الذي أنفقتَه على أهلِك” رواه مسلم.
6- وأفضل الصدقات يجب إعطائها للأيتام، فقال عليه الصلاة والسلام: “كافِلُ اليتيمِ له أو لغيرِهِ، أنا وهو كهاتَينِ في الجنّةِ”.
7- والصدقةُ أيضاً يجب أن تكون من حق الجار ، فقال تعالى: “وَالجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ”.
8- وأفضل الصدقات وهي التي تُعطى أيضاً للأصدقاء.
9- وتعتبرُ الصدقةُ الجارية بأنّها أفضل الصدقات كما تحدثنا أولاً؛ وذلك لأنّها تعود على أصحابها بالخير حتى بعد الموت بدليل الحديث:” إذا ماتَ الرجلُ انقطعَ عملُهُ إلَّا من ثلاثٍ: ولدٍ صالحٍ يدعو لَهُ، أو صدقةٍ جاريةٍ، أو علمٍ يُنتَفعُ بِهِ”.
10- الإنفاق على الجهاد في سبيل الله تعالى : قد ذُكِر فضل الإنفاق على الجهاد في سبيل الله تعالى في عدّة مواضع في القرآن الكريم؛ منها:” انفِروا خِفافًا وَثِقالًا وَجاهِدوا بِأَموالِكُم وَأَنفُسِكُم في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُم خَيرٌ لَكُم إِن كُنتُم تَعلَمونَ”.
أحاديث عن الصدقة في الإسلام:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يتّبع الميت ثلاثة، فيرجع اثنان ويبقى واحد: يتبعه أهله، وماله، وعمله، فيرجع أهله وماله ويبقى عمله” متفق عليه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من تصدَّق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب وإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبه كما يربي أحدكم فَلوَّه حتى تكون مثل الجبل” أخرجه البخاري.
عن أبي هُريرة رضي الله عنه قال: قال عليه الصلاة والسلام: “الساعي على الأرملة و المسكين كالمجاهد في سبيل الله” أخرجه بخاري ومسلم.
عن عائشة رضي الله عنه قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غيرَ مفسدةٍ كان لها أجرها بما أنفقت، ولزوجها أجره بما كسب، وللخازن مثل ذلك، لا ينقص بعضهم أجرَ بعض شيئاً” صحيح البخاري.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “قال الله أنفق يا ابن آدم أنفق عليك” رواه البخاري ومسلم.
عن أبى هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعة الله” رواه مسلم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما من يومٍ يُصبح العباد فيه إلّا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً” متفق عليه.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: “الصّوم جُنةٌ، والصدقة تطفئ الخطيئةُ كما يطفئ الماء النار” أخرجه الترمذي.
عن أبى هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ” إنّ أبي مات وتركَ مالاً ولم يوصِ، فهل يُكفر عنه أن أتصدق عنه ؟ قال : نعم” رواه البخاري.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: “كل امرئ في ظل صدقته حتى يقضى بين الناس” رواه أحمد.
عن يزيدُ بن أبي حبيب، أنّ أبا الخيرِ حدثهُ أنهُ سمع عقبة بن عامر يقول: سمعتُ النبي عليه الصلاة والسلام يقول: “كُلُّ أمرئ في ظلِّ صدقته حتى يفصل بين الناس أو قال: يحكم بين الناس” رواه أحمد.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: “يا عائشة، استَتري من النار ولو بشق تمرةٍ، فإنّها تسدّ من الجائع مسدّها من الشبعان” أخرجه أحمد.
عن أبى هريرة رضي الله عنه، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقةٍ جارية، أو علمٍ ينتفعُ به، أو ولد صالح يدعو له” رواه مسلم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنّ الصدقةَ لتُطفئُ عن أهلها حرّ القبور، وإنّما يستظلُ المؤمنُ في ظل صدقتهِ” رواه الطبراني.
قال النبي صلى الله عليه وسلم : “داووا مرضاكم بالصدقة”. رواه البيهقي في السنن الكبرى.
عن أبى هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : “سبعة يظلّهم الله في ظلّهِ يوم لا ظلّ إلا ظلّه، وذكر، ورجل تصدق بصدقه فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه “ متفق عليه.
عن أبى هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا يتصدق أحد بتمره من كسب طيبٍ، إلّا أخذها الله بيمينهِ، فيربيها كما يُربى أحدكم فلوه أو قلوصه، حتى تكون مثل الجبل أو أعظم” رواه مسلم.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فطر إلى المصلّى ثم انصرف فوعظ الناس وأمرهم بالصدقة فقال: “أيها الناس تصدقوا فمرَّ على النساء فقال: يا معشر النسّاء تصدقنّ فإني رأيتكن أكثر أهل النار، فلما صار إلى منزله جاءت زينب امرأة ابن مسعود تستأذن عليه، فقيل: يا رسول الله هذه زينب فقال: أي الزيانب؟ فقيل: امرأة ابن مسعود، قال: نعم، ائذنوا لها ، فأذن لها ، قالت: يا نبي الله إنك أمرت اليوم بالصدقة، وكان عندي حلي لي ، فأردت أن أتصدق به، فزعم ابن مسعود أنه وولده أحق من تصدقت به عليهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : صدق ابن مسعود، زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم” صحيح ابن حبان.
عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أفضلُ دينارٍ ينفقه الرجل دينارٌ ينفقه على عياله، ودينارٌ ينفقه الرجل على دابته في سبيل الله، ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله” رواه مسلم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من يسّرَ على معسر يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة”.
آيات الصدقات:
– آية في إخفاء الصدقات وإظهارها:
قال الله تعالى: ” إنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُوتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَنُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ” البقرة:270.
لقد قال ابن القيم رحمه الله مبيناً فضل إخفاء الصدقات، ومزايا إظهارها، إن تبدوا الصدقات فنعماً هي، أي أنّها أنعم شيء فهي الصدقة، ويسمّى هذا مدحٌ لها موصوفةً بكونها ظاهرة بادية، فلا يتخيلُ مبديها إبطال أثره وثوابه، فيمنعهُ ذلك من إخراجها، ويُنتظر من الإخفاء، فتفوتُ أو تعترضه الموانع، ويُحال بينه وبين قلبه، أو يحيل بينه وبين إخراجها، فلا يؤخر صدقتهُ العلانية بعد إتيان وقتها إلى وقت السر، فقد كان هذا حال الصحابة.
– آية في إتباع الصدقة بالمنّ والأذى:
وقال الله تعالى أيضاً: ” الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ” البقرة: 261.
وهذه الآية تدلُ على القرض الحسن، الذي أشير إلى قول الله تعالى: “مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفُهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَة” البقرة: 243. وهو أن يكون في سبيله تعالى وابتغاء مرضاته وهي الطريق التي توصل العبد وتقربه من ربه وأنفعها صدقة الجهاد في سبيله تعالى، وأنّ لا تتبع الصدقةُ لا بمنٍّ ولا أذى.