أقسام النذر:
وتشمل أقسام النذر ما يلي:
1- نذر اللجاج والغضب:
واللّجاج يكون بفتح اللام أيّ التمادي في الخصومة، وسمي بذلك لوقوعه عند الغضب، ويُقال له يمين اللجاج والغضب، ويمين الغلق ونذر الغلق. والمراد به ما خرج مخرج اليمين بأن يقصد الناذر منع نفسه أو غيرها من شيء أو يحثّ عليه، أو يحقق خبراً أو غضباً بالتزام قربة غير قاصد به النذر ولا القربة. والأمثلة على ذلك:
– أن يقول عمرو: إنَّ كلمتُ زيداً فلله عليّ صوم ثلاثةِ أيام.
– أن يقول عمرو: إنَّ لم يكن الأمر حدث كما أخبرت فعليّ شاة أذبَحها وأُوزع لحمها على جميع الفقراء والمساكين.
– أن يقول عمرو لزيد في شجارٍ بينهما: إنَّ كنت صادقاً فيما تقوله فلله عليّ أن أتصدق بعشرين ديناراً على الفقراء.
– والقائل في هذه الأمثلة في الواقع لا يقصد ولا ينوي التَصدق إنَّما قال ذلك لثبتِ دعواه وينقض ادعاء غيره.
حكم النذر والغضب:
نقول أنه إذا صدرت عن عمرو هذه الأقوال، ووجد المعلق عليه، كأن كلم زيداً، وكان الأمر بعكس ما أخبر، وكان زيد صادقاً فيما قال؛ فما حكم هذا الشيء. إنَّ للفقهاء في هذه المسألة ثلاثة أقوال:
القول الأول: على عمرو أن يقوم بما التزم به، فإنَّ لم يلتزم به فعليه كفارة يمين، وقال بهذا القول الحنفية والمالكية، وهو أحد أقوال ثلاثة في المذهب الشافعي.
القول الثاني: على عمرو كفارة يمين فقط، وهو القول الثاني في مذهب الإمام الشافعي رحمه الله.
القول الثالث: يختار الناذر أحد القولين السابقين، فإنَّ شاء الناذر قام بما التزم به، وإنَّ شاء أخرج كفارة اليمين عما بدر منه. وهذا هو أظهر الأقوال في مذهب الشافعي ومذهب الحنابلة. وذلك عمران بن حصين: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: لا نذر في غضب وكفارته كفارةُ يمين.
2- نذر الطاعة والتبرر:
ويُطلق نذر الطاعة والتبرر على كل التزام يُقصد به الناذر البر والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى. وهذا القسم من أقسام النذر ثلاثة أنواع:
1- نذر المجازاة أو المعلق بشيء: وهو التزام طاعة الله سبحانه وتعالى في مقابل نعمة أنعمها الله على الناذر أو في مقابلة نقمةٍ ومصيبةٍ دفعها الله عن الناذر. وهذا النوع تكون الطاعة الملتزمة، ممّا له أصل في الوجوب بالشرع كالصوم والصلاة والصدقة والحج.
ومن الأمثلة على هذا النوع: مثل إنَّ شفا الله مريضي فلله عليّ صوم شهرٍ من كل سنةٍ، أو إنَّ ربحت تجارتي، فعليّ أن أتصدق بِثلث الربح الذي ربحته، أو إنَّ كتب الله لي النجاح في مذاكرتي فللهِ عليّ أن أصلي عشرينَ ركعة، أو إنَّ نصر الله المسلمين في فلسطين فعلي أن أحج إلى بيت الله الحرام أربع حِجّات. وهذا النوع من النذر يجب الوفاء به عند تَحقيق الشرط المعلق عليه.
2- النذر المطلق من الشرط: وفيه يلتزم الناذر بطاعةٍ معينة يتقرب بها إلى الله تعالى دون التقيد بشرط. ومن الأمثلة على هذا النوع هو قول الناذر: لله عليّ أن أصوم يومينِ من الأسبوع، وكقولهِ: لله أن أحجّ إلى بيت الله الحرام تطوعاً. لله عليّ أن أصلي ركعتين في المسجد الأقصى. وحكمه: بأنه يجب الوفاء به وهذا النوع ذهب إليه جمهور الفقهاء.
3- نذر طاعة لا أصل لها في الوجوب: ومن الأمثلة على ذلك: عيادة المريض وتشييع الجنازة والوضوء والاغتسال ولمس كتاب الله ودخول المسجد والأذان والتسبيح والتحميد وتكفين الميت. وحكمه: بأنه يجب الوفاء به، وخالف الحنفية فقالوا: لا يصحُ النذر بهذه الأشياء وبالتالي لا يلزم الوفاء به وحجتهم في ذلك أن هذه الأمور وإنَّ كانت قُرباً فلا تُعتبر قرباً مقصودة، وإنَّ النذر فرع على المشروع، فلا يجب به ما لا يجب له نظير بأصل الشرع.
فقال صاحب البدائع: ومن مشايخنا من أصل في هذا أصلاً، فقال: ما له أصل في الفروض يصح النذر به، ولا شك أن ما سوى الاعتكاف من الصوم والصلاة وغيرهما له أصل في القروض والاعتكاف له أصل في الفروض وهو الوقوف بعرفة، وما لا أصل له في الفروض لا يصح النذر به مثل عيادة المريض وتشييع الجنازة ودخول المسجد وغيرها. أما القائلون بوجوب الوفاء بهذا النذر فقد استدلوا بالنصوص التي أوجبت الوفاء بالنذر مطلقاً ومنها:
– لقد ذم الله تعالى الذين ينذرون ولا يوفون بنذورهم، فقال تعالى:”وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ–فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ–فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ” التوبة:75-77.
– قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: من نذر أن يطيع الله فليُطعه.
– أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب أن يوفي بنذرٍ نذره في الجاهلية وهو أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام.
– وقالوا: إنَّه ألزم نفسه قُربة على وجه التَبرر فتُلزمه.