أقوال بعض الأئمة فيما يتعلق بالردة:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” إنَّ الرَّجلَ لَيَتَكلَّمُ بالكلمةِ لا يَرى بها بأسًا يهوِي بِها سبعينَ خريفًا في النَّارِ” رواه الترمذي وحسنه، وفي معناه حديث رواه البخاري ومسلم. ويدور هذا المقال حول أقوال الأئمة فيما يتعلق بالردة وأحكامها، وسنتحدث عن أقوال الشافعية، وأقوال الحنابلة. إن من تلفّظ بكلام كفر أو فعل فعلاً كفرياً أو اعتقد اعتقاداً كفرياً، وجهل أن ما حصل منه كفر لا يعذر بل يحكم بكفره، قاله القاضي عياض المالكي والشيخ ابن حجر الهيتمي الشافعي وكذلك عدد من فقهاء الحنفية وغيرهم.
أقوال الشافعية في الردة:
قال الشيخ تقي الدين أبو بكر بن محمد الحصني الشافعي في كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار، فصل في الردة: إن في الشرع الرجوع عن الإسلام إلى الكفر وقطع الإسلام، ويحصل مرةً بالقول ومرةً بالفعل ومرةً بالاعتقاد، وكل واحد من هذه الأنواع الثلاثة فيه مسائل لا تكاد تحصر، فنذكر من كل نبذة ما يُعرف بها غيره:
أما القول: ولو سب نبياً من الأنبياء أو استخف به، فإنه يكفر بالإجماع. ولو قال لمسلم يا كافر بلا تأويل الكفر؛
لأنه سمّى الإسلام كفراً.
أما الكفر بالفعل: مثل السجود للصنم والشمس والقمر وإلقاء المصحف في القاذورات والسحر الذي فيه عبادة الشمس. فلو فُعل فعلاً أجمع المسلمون على أنه لا يصدر إلا من كافر، حتى وإن كان مصرحاً بالإسلام مع فعله.
أما الكفر بالاعتقاد، فكثير جداً ممّن اعتقد تقدم العالم أو اعتقد نفيُ ما هو ثابت لله تعالى بالإجماع أو أثبت ما هو منفى عنه بالإجماع، مثل الألوان والاتصال والانفصال كان كافراً، أو أنه أحلّ ما هو محرم بالإجماع أو أنه حرم حلالاً بالإجماع، أو اعتقد بوجوب ما ليس هو بواجب كفرٍ أو قام بنفي شيءٍ مجمعٍ عليه مثل العُلِمَ من الدين بالضرورة كفر.
قال الإمام الشافعي، في موضوع حال المرتد وزوجة المرتد: بأنه إذا ارتد الرجل عن الدين الإسلامي، وكان له زوجة أو امرأة عن الإسلام، ولها زوج، فلا تقع الفرقة بينهما حتى تمضي عدة الزوجة قبل أن يتوب ويعود إلى الإسلام، فإذا انتهت عدتها قبل أن يتوب، فقد بانت منه، وليس له سبيلٌ عليها، والبينونة منه هنا تصبح فسخ بلا طلاق.
قال الشيخ محمد بن عمر نووي الجاوي البنتني قال: وَمَن يَكفُر بِالإيمَـٰنِ فَقَد حَبِط عَمَلهُ ” أي أن كم كفر بشرائع الله وبتكاليفهِ، فقد أبطلت ثواب أعماله الصالحة سواء رجع للإسلام أو لم يرجع.
وقال تاج الدين السبكي: أنه لا خلاف عند الأشعري وأصحابه وجميع سائر المسلمين، بأن من تلفظ بكلمة الكفر، أو فعل أي فعلٍ من أفعال الكفر أنه كافر بالله جلّة قدرته ومخلداً في النار وإن عرف قلبه.
أقوال الحنابلة في الردة:
قال موفق الدين عبد الله بن أحمد ابن قدامة المقدسي الحنبلي في باب حكم المرتد: وهو الذي يكفر بعد ما كان مسلماً. فمن أنكر وجود الله أو جحد ربوبيته أو وحدانيته أو أي صفة من صفاته أو اتخذ لله صاحبة أو ولداً أو جحد نبياً أو كتاباً من كتب الله تعالى أو شيئاً من ذلك أو سب الله تعالى أو رسوله فقد خرج عن ملة الإسلام وكفر.
ومن جحد وأنكر وجوب العبادات الخمس أو شيئاً منها أو أحلّ الزنا أو الخمر أو شيئاً من المحرمات الظاهرة المجمع عليها لجهل عرّف ذلك، وإن كان ممّن لا يجهل ذلك كفر.
قال الفقيه الحنبلي، منصور بن ادريس البهوتي في باب حكم الردة: إن الردة تأتي بمعنى لغة الراجع. وشرعاً هو من كفر ولو مميزاً بنطقٍ أو اعتقادٍ أو فعلٍ أو شك سواء كان طوعاً حتى وإن كان هازلاً بعد إسلامه.
قال أيضا في كشاف القناع عن متن الإقناع : إن توبة المرتد بإسلامه وأن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وهكذا يثبت به إسلام الكافر الأصلي وكذلك المرتد.
وقال الشيخ محمد بن بدر الدين بن بلبان الدمشقي الحنبلي في كتاب مختصر الإفادات في ربع العبادات والآداب وزيادات، ما نصه في فصل المرتد: وهو من كَفَرَ ولو مميزاً طوعاً ولو هازلاً بعد إسلامه.
وقال زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين بن أحمد ابن رجب الحنبلي في كتاب جامع العلوم والحكم، الحديث السادس عشر: أما ما كان من كفر أو ردة أو قتلُ نفسٍ أو أخذ مال بغير حق ونحو ذلك فهذا لا يَشُكُّ مسلم أنهم لم يريدوا أن الغضبان لا يؤاخذ به.