أنواع العذاب التي أهلك الله تعالى به قوم عاد
لقد أهلك الله تعالى قوم عاد بعد أن كفروا بنبيهِ هود عليه السلام وكذبوا به وجحدوا بآيات ربهم، ولم يتعظوا مما حدث لقوم نوح بعد أن أغرقهم الله بالطوفان، واستكبروا في الأرض، وسعوا فيها بالفساد، واغتروا بقوتهم، فبَطشوا وقتلوا، وعَثوا في الأرض الفساد، وقالوا: من أشد منا قوة فأهلكهم الله بالريح، وقد وصفت الريح في القرآن بأكثر من وصف، ونحن بصدد ذكر الآيات التي ذكرت فيها الريح التي أهلك الله بها الكافرين من قوم عاد.
فقال الله تعالى: “فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَىٰ ۖ وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ” فصلت:16.
قال القطان في تفسيره: “ريحاً باردة تهلك بشدّة بردها، ولها صوتٌ مخيف، أرسلناها في أيام مشئومة لنذيُقهم عذاب الذل والهوان في الحياة الدنيا، ولعذاب الآخرة أشدّ خِزياً، يوم لا يستطيع أحد أن ينصرهم منه”.
ذكر جبر الدين الحنبلي: أي أرسل الله عليهم عاصفة من الريح شديدة الصوت، تحرق ببردها كحرقِ النار بحرها، نكدات مشؤوماتٍ، فأمسك عنهم المطر ثلاث سنين، ودأبت عليهم الريح بلا مطر، ووصف العذاب بالخزي؛ لأنه حيثُ حلّ، حل الخزي معه، معه وعذاب الآخرة أشدّ ولا يستطيعون دفع العذاب عن أنفسهم.
قال الشهيد سيد قطب في تفسيره: إنها العاصفة الهوجاء المجتاحة الباردة في أيام محسٍ عليهم، وإنهُ الخزيُ في الحياةِ الدنيا، ألا وهو الخزيُ اللائق بالمُستكبرين المتباهين المختالين على العباد، هكذا نهاية كل جبّار متكبر مغرور بالقوة التي أعطاها الله له، فكفر بأنعم الله عليه، ولم يتبع أمر الرسول، فيكون مصيره مثل مصير الكافرين من قوم عاد، إن لم يكن في الدنيا سيكون في الآخرة.
لقد ذكر الرازي في تفسيره: قال المفسرون كانت عاد قد حَبس عنهم المطر أياماً، فساق الله إليهم سحابةً سوداء، فخرجت عليهم من وادٍ يُقال له المغيث، فلما رأوه عارضاً مستقبل أوديتهم استبشروا، وقالوا: هذا عارضٌ ممطرنا، فقال: بل هو ما استعجلتم به من العذاب، ثم بين ماهيته فقال: ريحٌ فيها عذابٌ أليم، ثم وصف تلك الريح فقال: تدمر كل شيء أي تلك كل شيء من الناس والحيوان والنبات بأمر ربها، بل هو أمر حدث ابتداء بقدرة الله تعالى لأجل تعذيبهم، فأصبحوا يعني: عدا، لا يرى إلا مساكنهم.
ذكر الشوكاني في تفسيره: إذا أرسلنا على قوم عاد الريح العقيم وهي الريح العقيم وهي التي لا خير فيها ولا بركة، لا تلقح شجراً ولا تحمل مطراً، إنما هي ريحٍ الهلاك والعذاب، ثم وصف سبحانه هذه الريح فقال تعالى: “مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ” الذاريت:42. أي ما تذر من شيء مرت عليه من أنفسهم وأنعامِهم وأموالهم إلا جعله كالشيء الهالك البالي.
ذكر محمد الجاوي في تفسيره: وفي عادٍ أي وفي قوم هود حديث: “وفي عادٍ إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم” أي الريح المهلكة وقاطعة النسل وهي الدبور وقال تعالى: “ما نَذَرُ من شيءٍ أتت عليه إلّا جعلتهُ كالرميم” أي ما تترك هذه الريح شيئاً مرت عليه مقصوداً وهو عاد وأبنيتِهم وعروشهم وبيوتهم وحيواناتهم إلّا جعلتهُ مثل التراب أو مثل الشيء الهالكُ البالي.
قال المُراغي: والعقيمُ هي التي لا خير فيها ولا بركة، فلا تُلقح شجراً ولا تحملُ مطراً، وسميت كذلك؛ لأنها أهلكتهم وقطعت أدبارهم. قال تعالى : “وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ–سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ–فَهَلْ تَرَىٰ لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ” الحاقة:6-8.
قال الطبري: وقوله: “وأما عادٌ فأهلكوا بريحٍ صرصرٍ عاتية” يقول تعالى ذكره، وأما عاد قوم هود فأهلكهم الله بريح صرصر، وهي الشديدة العصوف، مع شدة بردها، “عاتية” يقول عتت على خزانها في الهبوب، فتجاوزت في الشدة والعصوفِ مقدارها المعروف في الهبوب البرد. قال الشهيد سيد قطب: ويبرز في هذه السورة مصارع المكذبين بالدين وبالعقيدةِ وبالآخرة قوماً بعد قوم، وجماعةً بعد جماعة، مصارعهم العاصفة القاصِمة الحاسمة الجازمة.
“وأما عادٌ فأهلكوا بريحٍ صرصرٍ عاتية” وهي الريح شديدة البرودة. فنلاحظ من المواضيع التي ذكرت هي أن الله تعالى انتقم من قوم عاد، وعذبهم في الدنيا بالريح العقيم؛ لأنهم كذبوا رسوله وتمادوا في طغيانهم وبطشهم، ولم يشكروا الله عليهم، فكان ذلك جزاء الكافرين الضالين الذين قدموا هوى أنفسهم على دين الله تعالى، ولم يؤمنوا بدعوة نبي الله هود عليه السلام واستعجَلوا العذاب بأنفسهم، فأرسل الله عليهم صرصراً عاتيةً سخرها عليهم سبع ليالٍ أي ثمانية أيامٍ متتالية، فصرعت الريح الكافرين من القوم جميعاً، ولم يبقَ لهم أثراً سوى منازلهم ومساكنهم، كي يكونوا عبرة لمن لم يعتبر، فيقول الله مخاطباً محمد عليه الصلاة والسلام: “فهل تَرى لهم من باقيةٍ” الحاقة :8.
العبر المستفادة من هلاك قوم عاد
- عاقبة الكفر والطغيان: كان قوم عاد قومًا كافرين مستكبرين، فكان عذابهم عظة وعبرة لمن بعدهم.
- قدرة الله تعالى: يُظهر هلاك قوم عاد قدرة الله تعالى على إهلاك الظالمين مهما بلغت قوتهم.
- التوبة والرجوع إلى الله: يُنبهنا هلاك قوم عاد إلى ضرورة التوبة والرجوع إلى الله تعالى قبل فوات الأوان.