ما هي أنواع الفتن العظام؟

اقرأ في هذا المقال


أنواع الفتن العظام:

تشتمل أنواع الفتن العظام على عدة أنواع وهي:

  • فتنة الأحلاس: إن المعنى اللغوي لكلمة الأحلاس يشتمل معنى الملازمة والدوام، وهذا يجعلنا نتصور أن المقصود بفتنة الأحلاس بأنها الفتنة التي تُبرز تشيع الأمة إلى فرق، وإذاقة بعضهم بأس بعض، وهي الفتنة الأطول عمراً في حق الأمة، وقد ابتدأت هذه الإرهاصات في آواخرِ عهد الصحابة، وبدأت تتفرعُ في الأمة من عصر لآخر ومن موقعٍ لآخر ما بين اشتعال أو انحسار إلا أنها في غالب الأحوال موجودةً في الأمة.
    إنّ الذي ويُعزز هذا التصور أنّ النبي عليه الصلاة والسلام قد بين المراد بها بأنها هرب وحرب، ويؤكد ما ذكروا أن بأس الأمة لشِيع، وإذاقة بعضهم بأس بعض، وهي العقوبة الوحيدة في الأمة التي سأل النبي ربهُ برفعها عن أمتهِ فَلم يُستجب له فيها لأنها من القدر الحتمي في حقها، وفي ظن البعض أن هذه الفتنة طويلة الأمد والمُلازمة للأمة قد بدأت بعد الفتوحات الإسلامية، وهذه المرحلة يُشير إليها هذا الأثر عن كُرز بن علقمة الخزاعيّ قال: قال رجلٌ: يا رسول الله هل للإسلام من منتهى؟ قال النبي عليه الصلاة والسلام: “أيُّما أَهلِ بيتٍ وقالَ في موضعٍ آخرَ قال نَعَم أيُّما أَهلِ بيتٍ منَ العربِ أوِ العجمِ أرادَ اللَّهُ بِهم خيرًا أدخلَ عليهمُ الإسلامَ قال ثمَّ مَه قال ثمَّ تقعُ الفتَن كأنَّها الظُّللُ قال كلَّا واللَّهِ إن شاءَ اللَّهُ قال بلى والَّذي نفسي بيدِهِ ثمَّ تعودونَ فيها أساودَ صُبًّا يضربُ بعضُكم رقابَ بعضٍ”. أخرجه أحمد.
    إنّ هذا هو اعتقادُ البعض عن فتنة الأحلاس ومداها في الأمةِ، وتطابق المعنى الثاني لكلمة الحَلس، بأنه هو الكساء الملقى في أرضية البيوت تحت حرّ الثياب، ويمكن القول أنّ النجاة من هذه الفتنة المتعلقة بالدماء هي ملازمة البيت وعدم مخالطة القوم.
  • فتنة السراء: وهذه الفتنة يتبين من معاني ألفاظها أنها إما تتعلق بحالة النعيم والترف التي تقع فيها الأمة في بعض مراحلها، أو أن سبب اشتعالها هو الطمع في الدنيا ونعيمها والتوسعةِ فيه أو أنها تحكي فتنةً مؤثرةً على الأمة جميعاً ويكون موطنها الأول البطحاء أي “الصحراء”، ووفقاً للرأي الأخير فلا بدّ أن يكون لهذه الفتنة أثرٌ مفصلي يخصُ الأمة جميعاً، وينقلها من مرحلة سياسية إلى أخرى، وفي الغالب إلى الأسوأ.
    فالذي يلاحظه البعض أنّ هذه الفتنة قد ارتبطت بشخصٍ من أهل بيت النبي عليه الصلاة والسلام، أي هو سبب إشعالها في الأمة، والحديث يُشير إلى أنّ هذا الرجل الذي أشعلها قد استغل كونه من أهل بيت النبي عليه الصلاة والسلام ليجذب تعاطف الناس معه في حربهِ أو فتنتهِ التي أوقدها، وهذا الاستغلال يرشدُ إليه قول النبي عليه الصلاة والسلام “يزعم أنه مني”.
    نفي النبي عليه الصلاة والسلام أنّ هذا الرجل ليس منه وليس معناه وليس من أهل بيت النبي عليه الصلاة والسلام. بل هو من باب قوله تعالى لنوح عليه السلام في شأن ابنه: “إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ” هود:46. لذا عقبَ النبي عليه الصلاة والسلام بعد نفيه لكون هذا الرجل منه بقوله: إنما أوليائي المتقون “أي أهل بيتي الذين ينتسبون لي حقاً هم أهل التقوى والصلاح منهم، لذا النفي المقصود إنما هو من هذا الوجه، أما من حيث النسب فهو من أهل بيت النبي عليه الصلاة والسلام، كما صرحَ عليه الصلاة والسلام في كلامه عن الفتنة.
  • فتنة الدهيماء: وتُعتبر فتنة الدهيماء من أخطر أنواع الفتن في الفتن الثلاث، وهي الفتنة التي تمهدُ لخروج الدّجال، ودلائل السياق تُشير إلى أنها من الفتن العامة التي تُبتلى بها الأمة، وهي التي تُشبه فتنة الدّجال، ومن المتعارف عليه أنه ما من فتنةٍ في الأرض إلا وتُمهدُ لخروج الدّجال، وأن آخر الفتن الممهدة هي الدهيماء، لذا بتصورٍ أن تكون قريبةً منها من حيث التأثير على الأمةِ، ومن حيث المواصفات. ومن أهم مواصفات فتنة الدهيماء هي:
    أنها فتنةً عامة تعم المسلمين جميعاً، بحيث يذوق من نيرها الجميع، أو تعم الأرض كافةً. وهذا العموم عبرَ عنه النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: لا تدعُ أحداً من هذه الأمةِ إلا لطَمتهُ لطمةً”.
    أنها فتننةً متجددةً وطويلة الأمد: أي أنها تطولُ على الأمة، بحيث لا يتصور متى نهايتها، وعلى العكس كلَّما خبت شدتها، وتصور البعض أنّ نهايتها قد اقتربت، تجددت من جديد، وبشكلٍ أوسع مما كانت عليه في السابق، وهذا عبر عنه النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: “فإذا قيل انقضت تمادت”.
    وأنها أيضاً فتنةٌ ممحصة وترتكزُ على الشبهات والشهوات، فإنّ هذه الفتنةُ تأتي على شكل سوادٍ مظلمةً، يجول فيها شياطين الإنس والجن ويصولون مستخدمين كل حبائلهم الشيطانية على مستوى استغلال الشهوات أو بثها وهي واسعةً في القلوب.
    وإنّ هذه الفتنةُ هي الأقربُ للدّجال في المواصفات والتوقيت، وهذا يدلُ إلى قول النبي عليه الصلاة والسلام: فإذا كان ذاكم فانتظروا الدّجال من يومهِ أو من غدهِ حيثُ يتضح من العبارة السابقة أنّ النبي عليه الصلاة والسلام قد ربط بين زمان هذه الفتنة وبين خروج الدّجال، هذا من ناحية التوقيت لها أما من حيثُ المواصفات، فذاك استنتاج عقلي لازم يقتضيه الكلام، إذ يتصور أن الفتنة الأقرب للدجال في الزمان تكون أشبه بها من حيث المواصفات، ولعلّ أهم مواصفات فتنة الدّجال أنه يمتلك قدرات خارقةً ومؤثرة ومهيمنةً على الكرة الأرضية، وأنه يدعي الربوبية والألوهية، وهذا ناتج عن قدرته التي لا تضاهي في ذلك الزمان، وأنه نصب نفسه في الأرض لملاحقةِ أهل الله ومطاردتهم وبث الشبهات حولهم، والتضييق على من يساندهم، لذا القرية التي لا تتبعه تُحاصر اقتصادياً وتُصبح محلاً، والقرية التي تؤمن به وتساندهُ يغدق عليها من عطاياه، فالدّجال ليس له إلا شعارٌ واحد إما معي وإما عليّ.
    وهي أيضاً فتنة الحصاد والغربلة والتمييز، فالذي نلاحظه أن هذه الفتنة لا تنتهي إلا وقد حصدت الكثيرين من ضِعاف الإيمان، والمتذبذبينَ، بحيث لا يبقى خارجها أو خارج تأثيرها إلا قلةً من أهل الإيمان الذين زادتهم الفتنةُ خلوصاً واستخلاصاً لله فثبتوا في الميدان على أنهم طائفة الحق، بحيث يميزون بمعتقدهِم وتوجهاتهم وصفاتهم وسلوكهم عمن حولهم، وهذا المعنى عبر عنه النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: حتى يصيرَ الناسُ إلى فُسطاطينِ إيمانٍ لا نفاق فيه، وفُسطاط نفاقٍ لا إيمانَ فيه. فهذا التعبيرُ يدلُ إلى أنّ الناس قبل الدُهيماء لا يمكن التمييز بين مؤمنهم ومُنافقهم، بل كان حال الناس وتصرفاتهم تتراوح في أمرين، أما بعدها فقد حصل الخلوص والاستخلاص الكامل إلى فئتين:
    الأولى: فئة الإيمان المَحض بحيث لا يُوجد فيهم منافق.
    والثانية: وهي فئة النفاق المحض الذي لا إيمان فيه، وهذا لا يتوقع إلا إذا كانت الشدائد في آخر هذه الفتنة بأعلى الدرجات، وهذا يجعل الكثير من الناس يختارون طريق النفاق المحض؛ ذلك لأنهُ يُحقق لهم مآربهم الدنيوية التي كانوا يرتعون فيها قبل هذه الفتنة.

شارك المقالة: