أنواع عقوبة العزل:
من الأمثلة المتقدمة في عقوبة العزل، نرى أنه قد قيل بالعزل في بعض الأحيان عقوبة، ولم يذكر بجانبها نوع آخر من العقاب، وفي أحواله أخرى، ورد العزل مع غيره من العقوبات، سواء أكانت تعزيراً أم حداً. والذي نأخذه من ذلك أن عقوبة العزل في الشريعة الإسلامية استعملت كعقوبة أصلية وكعقوبةٍ تبعية وكعقوبةٍ تكميلية.
العزل كعقوبة أصلية:
لقد عرف فقهاء القانون الوضعي للعقوبات الأصلية: بأنها هي التي يحددها الشارع بصفتها الجزاءات الأساسية أو الأصلية للجرائم، وهي تحقق بذاتها فكرة العقابٍ بصفةً مباشرة، ويجب أن يُنطق بها في الحكم، وليس توقيعها معلقاً على الحكم بعقوبات أخرى.
قد يكون العزل هو العقوبة الوحيدة التي يقضي بها، فتكون هي الجزء الأساسي للجريمة المحكوم به فيها. ففي هذه الحالات يكون من الجلي أنها معتبرة عقوبة أصلية. ولا يُقال: إنها عقوبة تبعية أو تكميلية؛ لأنه يجب في هاتين الحالتين، أن تكون هناك عقوبة أو عقوبات أخرى أصلية غير العزل، فالأمر الذي لا يتوافر إذا كان العزل وحده هو الجزاء.
والذي يدل على أن العزل قد يكون عقوبة أصلية ممّا سبق بيانه (من أن العزل من الولاية يُعتبر من عقوبات التعزير، وأنه يصلح عقوبة)، وأن النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه من بعده عزروا بالعزل من الولاية، وأن عمر بن الخطاب عزل نائبه الذي بلغه عنه أنه يتمثل بأبيات من الخمر، ولم أر فيما قرأت أن العزل في هذه الحالات كانت معه عقوبات أخرى، وإذا كان الحال كذلك فهو دليل على جواز أن يكون العزل من الوظيفة هو الجزاء الأصلي للجريمة، بل الجزاء الوحيد، ويكون عقوبة أصلية لا تبعية ولا تكميلية.
ولا يمكن أن يُقال بعدم جواز ذلك بدعوى أن العقوبة الأصلية لا تكون تبعية أو تكميلية أو العكس، فهذه التسميات اصطلاحية لا تقيد الحاكم، الذي له أن يُعتبر نفس العقوبة: إما أصلية أو تبعية أو تكميلية، على حساب ما يراه. والشريعة الإسلامية لا تمنع من ذلك فيما أعتقد، فللحاكمِ جعل العزل جزاء بمفرده أو مع غيره من العقوبات، واعتباره عقوبة أصلية أو تبعية أو تكميلية، تبعاً لمختلف الظروف والأحوال. بل إن هذا الذي نقول به هو ما يتفق ومسلك القضاء والفقه في الشريعة الإسلامية على ما قدمناه. والذي يؤيد هذا الذي نذهب إليه فضلاً عمّا تقدم أن التعزير عقوبة مفوضة.