كفارة الصّيام تعني: من وجبت عليه الكفارة لمن أفطر في شهر رمضان عامداً متعمداً سواء كان طعاماً أو شراباً أو جِماعاً، فكفارة ذلك تحرير رقبة، أو صيام شهرين متتاليين، أو إطعام ستين مسكيناً من أوسط ما يأكلُ أهل البلد.
الكفارات المترتبة والكفارات المخيرة:
الكفارة المترتبة:
كفارة القتل، فإن الواجب فيها هو عتق رقبة مؤمنة، وإنما يعدل غير واجدها إلى صيام شهرين متتابعين وذلك لقوله عز وجل:(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا)”النساء29″.
، وذلك يقتضي العدول عن العتق إلى الصّيام في غير حال وجد أنَّ الرقبة المؤمنة، وأما في حال وجدانها فلا يجوز ذلك.
كفارة الظهار: فكفارة الظهار لقول الله تعالى:(وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ – فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ) “المجادلة3-4” .
فقد تضمّنت الآيتان أن كفارة الظهار وهي عتق رقبة، وينتقل غير واجدها إلى صيام شهرين متتابعين، ومن لم يستطع صيامهما انتقل إلى إطعام ستين مسكيناً.
كفارة الصيام: وفيها خلاف بين أهل العلم، فقيل بالتخيير فيها بين العتق والصيام والإطعام وهو قول جمهور أصحابنا، وعليه جماعة من المالكية منهم القاضي عياض وابن المنير وعزاه الإمام نور الدين السالمي في شرحه على مسند الإمام الربيع بن حبيب إلى الإمام مالك، ولكن المشهور عن الإمام مالك أن كفارة الصيام إنما هي الإطعام وحده إن كان سببها الجماع، لما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها تقول: إن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم (فقال: إنه احترق. قال : ” مالك ؟ ” قال أصبت أهلي في رمضان. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بمكتل يدعى العرق قال: ” أين المحترق ” قال : أنا. قال: ” تصدق بهذا) رواه البخاري في كتاب المحاربين”.
وأما إن كان الموجب لها غير الجماع فالمشهور عنه التخيير فيها بين العتق، والصيام، والإطعام، واستدلَّ أصحابنا على أنّه يخير فيها بين أنواعها الثلاثة بما رواه الربيع في مسنده عن أبي عبيدة عن جابر بن زيد عن أبي هريرة قال:(أفطر رجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً على قدر ما يستطيع من ذلك)”رواه الربيع في كتاب الصّيام”.
وذهب الجمهور إلى أنها على الترتيب فلا يعدل إلى الصّيام إلا من لم يجد الرقبة ولا إلى الإطعام إلا من لم يستطعهما، وهو قول ابن العربي من المالكية واختاره من أصحابنا الإمامان ابن محبوب وأبو نبهان ــ رحمهما الله ــ وهو الذي اختاره ذلك لأنَّ رواية أبي هريرة عن الربيع مجملة؛ إذ لم ينقل فيها قول النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ للرجل، وقد فسرها ما أخرجه عنه الشيخان وأصحاب السنن وغيرهم، وفيه أن النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ قال للرجل: (هل تجد ما تعتق رقبة؟ ” قال: لا. قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ” قال: لا. قال: فهل تجد ما تطعم ستين مسكيناً ؟”رواه البخاري في كتاب الكفارات”.
وذكر الإمام السالمي ــ رحمه الله ــ احتمال وجه آخر وهو أن يكون الترتيب خاصّاً بالجماع دون سائر المفطرات فإنّ كفارتها على التخيير، والمسألة تحتاج إلى مزيد نظر وبسط في الجواب لا يحتمله المقام.
الكفارات المخيرة:
وكفارة اليمين ففيها التخيير والترتيب، فالتخيير بين إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة للقادر عليها والترتيب بينها وبين صيام ثلاثة أيام لمن لم يقدر على شيء منها .
وسميت الكَفَّاراتُ كفَّاراتٍ؛ لأَنها تُكَفِر الذنوبَ أَي تسترها مثل كَفَّارة الأَيمان وكفَّارة الظِّهارِ والقَتل الخطأ وقد بينها الله تعالى في كتابه وأَمر بها.