ما هي الأراء بالنسبة لتقسيم الجرائم؟

اقرأ في هذا المقال


الأراء في تقسيم الجرائم والعقوبات:

لقد تبين لنا ممّا تقدم بأن الفقهاء يُعرّفون الحدود، بأنها عقوبات مقدرةً واجبة حقاً لله تعالى. وأن القصاص، هو عقوبة مقدرة واجبةً حقاً للأفراد. وأن التعزير، هو عبارة عن عقوبة غير مقدرة واجبة حقاً لله تعالى أو الأفراد. إن الذي يجمع بين هذه الأنواع الثلاثة أنها عقوبات شُرعت لزجر الجاني وغيره، ومن أجل إخلاء البلاد من الفساد والمفسدين.
يختلف التعزير عن الحد في أن الأول غير مقدر ابتداءً، أما الثاني فهو مقدر ابتداء، وأن الأول منه ما هو واجب لله، ومنه ما هو واجب للأفراد، بعكس الثاني فإنه واجب لله تعالى، والفرق بين التعزير والقصاص هو أن التعزير غير مقدر بخلاف القصاص، وأن منه ما يجب حقاً لله تعالى، ومنه ما يجب حقاً للأفراد بخلاف القصاص الذي يجب حقاً للأفراد.
أما الفرق بين القصاص عن الحدّ، هو أن القصاص يجب حقاً للأفراد، ولكن الحدّ يجب حقاً لله تعالى، مع أنهما يتفقان في أن كلا منهما عقوبة مقدرة ابتداءً من الشارع. ويمكن أن تسمّى عقوبة القصاص حداً؛ لأن هذه العقوبة حددها الشارع مبدئياً وقدّرها، وأن كلمة الحدّ لها عدة معانٍ واسعة، فإن محارم الله تسمّى بالحدود، وذلك لقوله تعالى: ” تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا“البقرة:187.
وإن أيضاً ما حدّه الشارع وقدره مثل المواريث، وتزويج الأربع وتسمّى تلك بالحدود، وذلك لما قاله الله تعالى: “تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا” البقرة:229. إن الملاحظ هنا أن كل ما قدره الشارع يسمّى حداً.
أما تسمية العقوبات بعينها حدوداً دون أن يدخل فيها القصاص، فهو عبارة عن عُرف واصطلاح جرى عليه الفقهاء، وإلا فإن القصاص مثل الحدود مُقدر ويمنع من ارتكاب الجرائم، أما أنه من حق الأفراد، وأن ذلك يعطيه اسماً خاصاً ومتميزاً عن الحدود، فهذا غير مسلم، إذ أنه لا صلةً ولا مناسبة بين تسمية العقوبة بالحدّ، وكونها حقاً لله تعالى أو الفرد، وكل ما يمكن بسببهُ تسمية الحد حداً يوجد في القصاص الذي هو محدد من الشارع، ويمنع من الإجرام، مثل الحد سواءً بسواء.

الفروق بين تسمية الحدود بهذا الإسم:

إن الذي يؤيد هذه التسمية ما جاء في كتب الأحكام السلطانية للماوردي وأبي يعلى، بأن الجرائم محظورات بالشرع، زجر الله عنها بحد أو تعزير، وقد قسمت الحدود فيها إلى أمرين:
– ما كان من حقوق الله تعالى.
– ما كان من حقوق الإنسان.
وقسمت المختصة منها بحقوق الله تعالى إلى ضربين:

الأول: ما وجب في ترك مفروض، والثاني ما وجب بارتكابٍ محظور. أما ترك المفروض ينطبق عليه مثال تارك الصلاة حتى يخرج عن وقتها، وتارك الصيام، وتاركِ الزكاة. وأما الذي وجب بارتكابٍ محظور فهو يأتي عليه أمرين، أحدهما ما كان من حقوق الله وذلك لأربعةٍ وهم، حدّ الزنا، حدّ الخمر، قطع يد السارق وحدّ المحاربين.
الثاني: وهو ما كان من حقوق الآدميين، وهو شيئان: حد القذف للزِنا والقود في الجنايات. وبناءً على ذلك، فإن القصاص وهو القود في الجنايات يدخل طبقاً لهذا التقسيم في الحدود، ومن ثم فإن العقوبات تكون قسمين لا ثلاثة، وهي، الحدود والتعزير وتكون الجرائم قسمين تبعاً لذلك وهما:
– قسم تجري فيه الحدود.
– وقسم يجري فيه التعزير.
وعلى هذا الأساس فقد جاء في السياسة الشرعية لابن تيمية أن البعض يطلقون على عقوبة التعزير اسم الحد، الذي وجب لحق الله، وأنهم فسروا حديث: “لا يُجلد فوق عشرة أسواط إلا في حدّ من حدود الله تعالى”. وعلى هذا الأساس قالوا إن المقصود بحدود الله هو ما حرم لحقّ الله، أما من ضرب لحِق ّنفسه مثل ضرب الرجل امرأته في النشوز، فإن التعزير لا يزيد على عشرة أسواط، وقالوا إن تسمية العقوبة المعزرة حداً ما هو إلا عرفٌ حادث.
والتوسع الذي تحدثنا عنه في مجمل مدلول الحدود يدعونا إلى اختيارٍ ضابط للتفرقة أكثر دقةٍ، فيمكن أن نسمّي كلاً من الحدود والقصاص بالعقوبات المقدرة؛ لأن كلاً منها عقوبات على جرائم، ولأن جميعها مقدرةً، ولأن كون الحدود واجبةً لله تعالى، ولأن القصاص واجباً للأفراد لا يغير من طبيعة هذه العقوبات، ومع أنها مقدرةً مقدماً من الشارع وهذا كان بخلاف التعزير، الذي ليس فيه تقديراً مقدماً من الشارع، سواء ما وجب منه حقاً لله تعالى، أو ما وجب حقاً للأفراد، فيمكن أن يسمّى التعزير بالعقوبة غير المقدرة، وعلى ذلك تقسم العقوبات إلى قسمين: عقوبات مقدرةً، وعقوبات غير مقدرةً.


شارك المقالة: