الإشكالات والردود بخصوص فهم آية الدخان:
يتبين أنّ إشكالٌ واضح في فهم المرادِ بآية الدخان المذكورة في القرآن أو التي ذكرت في السنة كعلامةٍ من علامات الساعة الكبرى، فإن البعض يسقطها على حدث يكون يوم القيامة نفسها، والبعض يرى أنّ آية الدخان في القرآن الكريم قد حصلت في العهد المكي، لذا لزم بيان هذا الإشكال، وتوجيه الراجح في ظني بخصوصه، وذلك على النحو التالي، فقال الله تعالى: “فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ-يَغْشَى ٱلنَّاسَ ۖ هَٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ- رَّبَّنَا ٱكْشِفْ عَنَّا ٱلْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ–أَنَّىٰ لَهُمُ الذِّكْرَىٰ وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ–مَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ–إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا ۚ إِنَّكُمْ عَائِدُونَ” الدخان: 10-15.
شرح الآيات:
إن هذه الآيات اختلفت في تأويلها علماء التفسير، فبعضهم يرى أنها وقعت في العهد المكي حيث دعا النبي عليه الصلاة والسلام على كفار قريش بأن يصابوا بسنين قحطٍ مثل سنين يوسف عليه السلام، وقد وقع ذلك، وكان لشدة القحط يرون السماء غبراء كأن الدخان يلفها.
وبعض المفسرين يرى بأنّ آية الدخان قادمة، وهي من علامات الساعة، وما ذكرته الآيات توصيف لهذه الآية، وفي ظني هذا الرأي أرجح، ويتفق مع ما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام من إخباره عن عشر علامات كبرى للساعة، ورتبوا أولها هي الدخان، ممّا يؤكد أن آية الدخان لم تقع كما يراها البعض.
إن الآية تشير أيضاً إلى أن السماء تأتي بدخانٍ مبين، أيّ أنه واضح ولا شكّ فيه، وهذا الدخان تمّ وصفه بأنه يغشى الناس، أيّ يُحيطهم من جميع الجوانب، وليس شيئاً يتخليه الرائي كما في قحط قريش، وعبرت هذه الآيات عن هذا الدخان بأنه عذاب أليم، وهذه المعاني بهذا التوصيف لم تقع لأهل قريش، لذا عمد المفسرون إلى حمل تلك المعاني من باب المجاز، واعتبر الغبار في سنة القحط دخان أو ما يراه الجائع في السماء كأنه غمامةً من السحاب.
فسياق الآية ودلالتها تتضمن قرائن عدة تدلُ على أن المقصود بها أمرٌ عظيم ومهلك، وما وقعت به قريش أهون من هذا الأمر بكثير.
وجمعاً بين الآراء، يمكنُ القول بأن الآية تُشير إلى ما أصاب قريش من باب المجاز، وتدلُ على علامةٍ عظمى بين يدي الساعة من باب الحقيقة. فيقول أبو الخطاب ابن دحية: “إن الذي يقتضيه النظر الصحيح هو حمل ذلك على قضيتين، إحداهما وقعت وكانت، والأخرى ستقع وستكون، فأما التي كانت فالتي كانوا يرون فيها كهيأةِ دخان، وهي غير الدخان الحقيقي الذي يكون عند ظهور آيات التي هي من أشراط الساعة، ولا يمتنع إذا ظهرت هذه العلامة أن يقولوا” ربنا اكشف عنا العذاب إنّا مؤمنون” فيكشف الله عنهم ثم يعودون إلى الكفر وكلام ابن مسعود. رضي الله عنه لم يسنده إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، إنما هو من تفسيره، وقد جاء النص عن رسول الله عليه الصلاة والسلام بخلافه.
بعض الإشكالات الأخرى للآيات العظام:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: “من تابَ قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه”. أخرجه مسلم.
بيان وجه الإشكال: إنّ هذا الحديث يُشير إلى أن التوبة لا تُقبل بعد طلوع الشمس من مغربها، وثبت في حديث آخر أن باب التوبة يُغلق مباشرة بعد طلوع الشمس من مغربها، وهذا تصريحٌ في الحديث بأن التوبة تُقبل من العبد قبل طلوع الشمس.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: “ثلاثٌ إذا خرجن لم ينفعُ نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبلُ” الآية الدّجال والدابة وطلوع الشمس من المغرب أو من مغربها” أخرجه مسلم.
بيان وجه الإشكال: لقد ربط هنا عدم نفعُ الإيمان أو التوبة بأربعةِ أمور وهي الدّجال والدّابة والدخان وطلوع الشمس من مغربها. ومن المعلوم أن الدّجال يكون قبل طلوع الشمس من مغربها.
وجه الإشكال بين الحديثين: كيف لا تنفع توبة ولا إيمان بعد خروج الدجال وهو قبل طلوع الشمس، مع أنّ الحديث الأول صرحَ بأنها نافعةً.
أما دفعُ الإشكال هنا: إنّ مثل هذا الإشكال يمكن دفعهُ بالقولِ بأن الحديث الأول يدلُ إلى نهاية العالم حقيقةً بطلوع الشمس من مغربها، وفي هذه الحالة لا تنفع التوبة إلى قيام الساعة. ففي الحديثين التاليين فيهما إشارة إلى ضرورة المبادرة بالأعمال قبل وقوع هذه الأمور، ومن لم يكسب إيماناً قبل خروج الدّجال، فلا يُتصور منه أن يحصله عند خروجه وخلال فتنته؛ وذلك لأن فتنة الدّجال هي فتنةُ حصاد لما تم زرعه قبل خروجه، وهذا خاص في الملابس لفتنة الدّجال والواقع فيها، أما بعد ذلك فما يزال باب التوبة مفتوحاً لحين طلوع الشمس، وهذا يُقال أيضاً في علامة الدّخان إذا كانت قبل طلوع الشمس. وهذا يُقال أيضاً في علامة الدخان إذا كانت قبل طلوع الشمس.
أما بالنسبة للدّابة فهي في الغالب تكون بعد طلوع الشمس؛ حيث يكون باب التوبة مغلقاً؛ لذا لا إشكال فيها.