ما هي الحكمة في تحديد العقوبات لجرائم معينة دون الباقي؟

اقرأ في هذا المقال


الحكمة في تحديد العقوبات لجرائم معينة دون الباقي:

إن الملاحظ أن الجرائم التي وضعت لها الشريعة الإسلامية عقوبات مقدرة مقدماً، لا يُزاد عليها ولا ينقص منها، هي من الجرائم الخطرة التي تتميز بعدم اختلاف النظرة إليها باختلاف الأزمنة والأمكنة، ولا يمكن لمجتمعٍ أن يسود فيه الأمن والطمأنينية إلا إذا قلّت فيه الجرائم عموماً، لا سيما الجرائم المنصوص على عقوباتها في الشريعة الإسلامية؛ لأنها تأتى على مقومات كل مجتمع صالح ومحاربتها تحفظ على كل مجتمع المقومات التي بها يَحيى ويستمر ويسود، فهذه الجرائم إما اعتداءً على النفس كالقتل العمد، وإما اعتداء على العرض وذلك في الزنا والقذف، إما اعتداءً على المال كما في السرقة وقطع الطريق، وإما اعتداء على العقل وهذا في الشرب، وإما الإعتداء على أمن الدولة وسلامتها ونظمها كما في البغي، وإما اعتداءً على الدين كما في الردة، ومن ثم فهي تتضمن الاعتداء على الأسرة، وهي خليسة المجتمع، والاعتداء على الملكية الفردية ونظام الدولة الاجتماعي ونظام الحكم فيها.
وإذا كان مبنى العقوبات هو تحقيق مصالح الناس، فإن أولى هذه المصالح بالاعتبار هو حفظ هذه؛ لأنها في ذروة المصالح، وهب تُعتبر الأسس التي يقوم عليها المجتمع، فإن كانت قوية محفوظة ومصانةً فقد يصير المجتمع قوياً، وإذا شملها الفساد ونَخر فيها السوس انّهد بنيان المجتمع، وأحاطت فيه الفوضى والفساد.
وفضلاً عن ذلك في فإن عقوبات الحدود والقصاص، مع قتلها بالقياس إلى باقي العقوبات، وقد دلت الإحصائيات على أن الجرائم التي فرضت لها كثيرة الوقوع في الحياة العملية بخلاف باقي الجرائم، وعلى ذلك فهي أخطر من غيرها من الجرائم الشدة في العقوبة والتضييق على القاضي في التطبيق، وبذلك تخفُ هذه الجرائم؛ لأن الجرائم تتناسب مع عقوباتها تناسباً عكسياً، فكلما زادت العقوبة فقد قل ارتكاب الجريمة.
ومن مصلحة المجتمع أن تقل هذه الجرائم من أجل أن توفر له الأمن والاستقرار، وحتى يكون الناس في أمان على أنفسهم وعلى أموالهم وأعراضهم ولأجل أن يستقر النظام الاجتماعي في الدولة ويحمي نظام الحكم فيه. وعن ذلك يتفرغ المجتمع للإنتاج والتعمير، فيسود الرخاء وتزدهر الأمة.
وما ذكرناه هذا كله هو الذي يدفع إلى اختصاص الحدود والقصاص في الشريعة الإسلامية بعقوبات مقدرة اتجهت فيها اتجاهاً مادياً يهدف إلى محاربتها والقضاء عليها دون النظر إلى الشخص نفسه أو لأي اعتبار آخر حتى يتحقق على أكمل، وجه الزجر والردع والمنع من ارتكابها.


شارك المقالة: