هل حواء خلقت من آدم:
ليس هناك في القرآن ما يدلُ بصراحةٍ على المكونات التي خُلقت منها حواء، لكن هناك الكثير من الآيات التي تدل على الخلق العام ومنها ما يلي:
– قال الله تعالى: “يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا” النساء:1.
– وقال تعالى أيضاً: “هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ۖ” الأعراف:189.
– قال تعالى: “خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا” الزمر:6.
أقوال لبعض العلماء في خلق حواء:
القول الأول: حواء خلقت من ضلع آدم عليه السلام:
لقد قالوا إنّ الآيات تحدثت عن خلقِ حواء من الزوج “خلق منها زوجها” وجعلَ منها زوجها “ثم جعلَ منها زوجها”. فسياقُ الآياتِ يدلُ على أنّ حواء خُلقت من آدم عليه السلام. ويُستأنسُ أصحاب هذا القول بما روى عن ابن عباس قال: ألقى الله على آدم النوم فأخذ ضلعاً من أضلاعهِ من شقهِ الأيسر ولأُم َمكانَ ضلعهِ لحماً، وخَلق منه حواء وآدم نائم، فلما استقيظَ رآها إلى جنبه فقال لحمي ودمي وروحي فسكنَ إليها، فلما زوجهُ الله تعالى وجعلَ له سكناً من نفسهِ قال: “يا آدم أُسكن أنتَ وزوجكَ الجنة”.
واستأنَسوا كذلك بالأثر الوارد عن السدي عن ابن عباس وابن مسعود: فلما أُسكن آدم الجنة كان يمشي فيها فرداً ليس لهُ زوجٌ يسكن إليها، فنامَ نومةً واستيقظَ فإذا عند رأسهِ جالسة، خَلقها الله من ضِلعه: فسألها فقال: من أنتِ؟ قالت: امرأة: قال: ولِم خُلقتِ، قالت لتسكُن إليّ.
وقد استدل أصحاب هذا الفريق كذلك بعدة أحاديث منها:
1. ما ورد في البخاري من حديث زائدة عن ميسرة الأشجعي عن ابن حازم عن أبي هريرة عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: “استوصُوا بالنِّساءِ خيرًا ؛ فإنَّ المرأةَ خُلِقَتْ من ضِلَعٍ، وإنَّ أعْوجَ شيءٍ في الضِّلَعِ أعْلَاهُ ؛ فإنْ ذهبْتَ تُقِيمُهُ كسرْتَهُ، وإنْ تركتَهُ لمْ يزلْ أعوَجَ؛ فاسْتوصُوا بالنِّساءِ خيرًا” صحيح البخاري.
2. الحديث الذي أورده ابن ماجه في سننه قال عن الحسن بن سلمة: حدثنا أحمد بن موسى بن معقل ثنا أبو اليمان المصري: سألتُ الشافعي عن حديث النبي عليه الصلاة والسلام: “يرشُمن بولِ الغلام ويغسلُ من بول الجارية، والماءانِ جميعاً واحد، قال: لأن بول الغلام من الماء والطين وبول الجارية من اللحم والدم ثم قال لي فهمتُ؟ أو قال: لُقنتُ؟ قال: لا قال إن الله تعالى لما خلق آدم خلقتُ حواء من ضلعهِ القصير، فصار بول الغلام من الماء والطين وصار بول الجارية من اللحم والدم، قال: قال لي: فهمتُ قال لي فهمتُ قلت نعم قال لي: نفعك الله به” سنن ابن ماجه.
لم يأخذ الله الضلع من رأس الرجل لكيلا تسودُ امرأتهُ عليها ولم يأخذهُ من رجلهِ لكيلا يدوسها هو، بل أخذها من جنبه لكي تقف بجانبهِ وتعيينه. يقول البستاني صاحب دائرة المعارف: وبعد ذلك خُلقت حواءَ من ضلعٍ إستلهُ الله من بدنِ آدم وهو مستغرقُ في سًباتٍ عميق، فلما أفاق من غفوتهِ صاحَ فرحاً هوذان هذه المرأة عظمٌ من عِظامي ولحمٌ من لحمي. إذن فقد اتفق أصحاب هذا الرأي مع أهل الكتاب في آن حواء خلقت من ضلعٍ استلهُ الله من آدم وملأ مكانه لحماً، فصارت حواء جزءاً لا يتجزأ لا يتجزأ من الرجل، فمنه خلقت، وإليه تأوي وتلجأ ويسكن إليها وتسكن إليه.
القول الثاني: حواء خلقت من نفسٍ العناصر التي خُلق منها آدم عليه السلام.
قال أصحاب هذا القول أن الآيات السابقة التي استدل بها أصحاب الفريق الأول تدلُ على أن حواء خُلقت من جنسٍ آدم: “خلق لكم من أنفسكم أزوجاً” الشورى:11. وقال: “والله جعلَ لكم من أنفسكم أزواجاً” النحل:72. بمعنى أنهُ خلقَ لكم أزوجاً من جنسكم لا أنه خلق كل زوجة من بدن زوجها ويؤيده قوله تعالى: “لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم” التوبة:128. فقوله من أنفسكم أي من جنسكم وليس من بدن آدم.
أما الحديث الصحيح الذي استدلوا به على أن المرأة خلقت من ضلع أعوج، فقد جاء هذا الحديث على طريق التمثيل لاعوجاج المرأة في أخلاقها. فهو يدل على معنى مجازي، وهي أن المرأة قد خلقت أنثى لها صفاتها الخلقية والعقلية والنفسية الخاصة بأنوثتها، والتي قد يعتبرها البعض شذوذاً فيها أو انحرافاً إذا حاول مقارنتها بالصفات المميزة للرجولة، فإذا حاول أن يقيم ما يتوهم فيها من اعوجاج فقدها وفقد ما يحتاج إليه من مميزات المرأة الطبيعية.
تقول عائشة عبد الرحمن “وإذا صح الحديث فليس القصد منه تحديداً أصل الخليقة، وإنما هي وصية من نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام بالترفق بالمرأة والتحذير من أخذهَا بالشدة، ممثلة من الحديث الآخر رفقاً بالقوارير فهل خلقت النساء من قوارير”.