المتعة في الزواج:
المتعة لغةً: هي اسم مصدر متّع، وتدور مادته على معنى الانتفاع والالتذاذ ومنه قول الشاعر المشعث:
تمتع يا مشعث أن شيئاً سبقت به الممات هو المتاع.
المتعة اصطلاحاً: هي أن يقول الرجل لامرأة: متعيني نفسك بكذا من الدراهم مدة كذا، فتقول له: متعتك نفسي
أو يقول لها الرجل: أتمتع بك أيّ لابد في هذا العقد من لفظ التمتع. والمتعة هي ما يُستمتع به، وتطلق على أربعة معانِ:
- متعة الحج، وقد ذكرت في موسم الحج.
- والنكاح إلى أجل.
- متعة المطلقات.
- إمتاع المرأة زوجها في مالها على ما سرت به العادة في بعض البلاد. قال المالكية: فإن كان شرطاً في العقد فلا يجز، وإن كان تطوعاً بعد تمام العقد فقد جاز.
والمتعة تأتي بمعنى: الكسوة أو المال الذي يُعطيه الزوج للمطلقة زيادةً على الصداق أو بدلاً عنه كما في المفوضة، لتطيّب نفسها، ويعوضها عن ألم الفراق. قال الشافعية: إنّ المتعةَ هي مالٌ يجب على الزوج دفعهُ لامرأته المفارقة في الحياة بطلاق. وعرفها المالكية: بأنها الإحسان إلى المُطلقات حين الطلاق بما يقدر عليه المطلق بحسب ماله في القلة والكثرة.
حكم المُتعة:
للفقهاء بعضُ الأراء في حُكْم المتعة. أما الحنفية فقالوا: قد تكون المتعة واجبة، وقد تكون مُستحبة. فتجب المتعة في نوعين من الطلاق.
1ً. طلاق المفوضة قبل الدخول، أو المُسمّى لها مهراً تسمية فاسدة: أي الطلاق الذي يكون قبل الدخول والخلوة في نكاح لا تسمية فيه، ولا فرض بعده، أو كانت التسمية فيه فاسدة، وهذا متفق عليه عند الجمهور غيرا لمالكية، لقوله تعالى:”لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن، أو تفرضوا لهن فريضة، ومتعوهن”البقرة:236.
أمر بالمتعة، والأمر يقتضي الوجوب، وتأكد في آخر الآية بقوله:“حقاً على المحسنين“البقرة:236. ولأن المتعة في هذه الحالة بدلاً عن نصف المهر، ونصف المهر واجب، وبدل الواجب واجب؛ لأنه يقوم مقامه، كالتيمم بدلاً عن الوضوء.
2. الطلاق الذي يكون قبل الدخول في نكاح لم يسم فيه المهر، وإنما فرض بعده، في رأي أبي حنيفة ومحمد، لقوله تعالى:”يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات، ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن، فما لكم عليهن من عدة تعتدونها، فمتعوهن” الأحزاب:49. والآية السابقة “ومتعوهن”البقرة:236.
فالآية الأولى أوجبت المتعة في كل المطلقات قبل الدخول، ثم خص منها من سُمي لها مهر، فبقيت المُطلّقة التي لم يسمَ لها مهر، والآية الثانية أوجبت المتعة لمن لم يفرض لها فريضة، وهو منصرف إلى الفرض في العقد.
ورأى أبو يوسف والشافعي وأحمد: أنه يجب للمطلقّة قبل الدخول التي فرض لها مهر، نصف مهر، سواء أكان الفرض في العقد أم بعده؛ لأن الفرض بعد العقد كالفرض في العقد، وبما أن المفروض في العقد يتنصف فكذا المفروض بعده.
وتستحب المتعة عند الحنفية في حالة الطلاق بعد الدخول، والطلاق قبل الدخول في نكاح فيه تسمية؛ لأن المتعة إنما وجبت بدلاً عن نصف المهر، فإذا استحقت المُسمّى أو مهر المثل بعد الدخول، فلا داعي للمتعة. وأوجب الشافعية المتعة في الطلاق بعد الدخول، لقوله تعالى:“وللمطلقات متاع بالمعروف حقاً على المتقين“البقرة: 241.
الخلاصة: تستحب المتعة عند الحنفية لكل مطلقة إلا لمفوضة فتجب: وهي من تزوجت بلا مهر، وطُلِّقت قبل الدخول، أو من سمي لها مهر تسمية فاسدة أو سمي بعد العقد.
ومذهب المالكية: أن المتعة مستحبة لكل مطلقة، لقوله تعالى:“حقاً على المتقين“البقرة: 241. وقوله:”حقاً على المحسنين” البقرة: 236. فإنه سبحانه قيد الأمر بها بالتقوى والإحسان، والواجبات لا تتقيد بهما.
فالمطلقات ثلاثة أقسام:
- مطلقة قبل الدخول وقبل التسمية “المفوضة” فلها المتعة وليس لها شيء من الصداق.
- مطلقة قبل الدخول وبعد التسمية، فلا متعة لها.
- مطلَّقة بعد الدخول، سواء أكانت قبل التسمية أم بعدها، فلها المتعة.
- فلا متعة في كل فراق تختاره المرأة، كامرأة المجنون والمجذوم، ولا في الفراق بالفسخ، ولا المختلعة ولا الملاعنة.
مذهب الشافعية عكس المالكية تماماً: المتعة واجبة لكل مُطلّقة، سواء أكان الطلاق قبل الدخول أم بعده، إلا لمطلقة قبل الدخول سُمّي لها مهر فإنه يُكتفى لها بنصف المهر، فتجب لمطلقة قبل دخول إن لم يجب شطر مهر، وتجب أيضاً في الأظهر لمدخول بها، ولكل فُرْقة لا بسبب الزوجة كطلاق، بأن كانت الفرقة بسبب الزوج كردته ولعانه وإسلامه.
أما من وجب لها شطر مهر فلها ذلك، وأما المفوضة فلم يُفرض لها شيء فلها المتعة. وعبارتهم هي: لكل مفارقة متعة إلا التي فرض لها مهر، وفورقت قبل الدخول، أو كانت الفرقة بسببها، أو بملكه لها، أو بموت، وفرقة اللعان بسببه، والعنة بسببها.
ودليلهم قوله تعالى:”ومتعوهن”البقرة:236.وقوله “وللمطلقات متاع بالمعروف” البقرة:241.
فإنه أوجب المتعة لكل مطلقة، سواء أكانت مدخولاً بها أم لا، سمي لها مهر أم لا.
مذهب الحنابلة موافق لمذهب الحنفية في الجملة: المتعة تجب على كل زوج حر وعبد، مسلم وذمي، لكل زوجة مفوّضة، طُلقّت قبل الدخول، وقبل أن يُفرض لها مهر، للآية المتقدمة “ومتعوهن” البقرة:236. ولا يعارضه قوله “حقاً على المحسنين” البقرة:236. لأن أداء الواجب من الإحسان، فليس للمفوضة إلا المتعة.
وتستحب المتعة عندهم لكل مطلّقة غير المفوّضة التي لم يفرض لها مهر، لقوله تعالى:“وللمطلقات متاعٌ بالمعروف” البقرة:241. ولا تجب؛ لأن الله تعالى قسّم المطلّقات قسمين، وأوجب المتعة لغير المفروض لهن،
ونصف المُسمّى للمفروض لهنّ، وهو يدل على اختصاصِ كل قسم بحُكمه.
متى تسقط المتعة:
وتسقط المتعة في كل موضع يسقط فيه كل المهر، كردتها وإرضاعها من ينفسخ به نكاحها ونحوه؛ لأنها أُقيمت مقام نصف المسمّى، فسقطت في كل موضعٍ يسقط فيه. وتجب المتعة للمفوضة في كل مكان يتنصف فيه المسمّى، كردّته قياساً على الطلاق. ولا تجبُ المتعة فيما يسقطُ به المسمّى من الفرق كاختلافُ الدين، والفسخ بالرضاع أو ما شابه ذلك إذا جاء من قبل المرأة؛ لأن المتعة أقيمت مقام نصف المسمى، فسقطت في موضعٍ يحق له أن يسقط.
ومن وجب لها نصف المهر، لم تجب لها متعة، سواء أكانت ممّن سمّي لها صداق، أم لم يسمّ لها، لكن فرض بعد العقد. وهذا موافق للجمهور غير أبي حنيفة ومحمد، كما تقدم ولا متعة للمسمّى لها مهراً بعد الدخول أو المفوّضة أو المفوّض لها بعد الدخول، لكن يستحب لها المتعة، وتستحب أيضاً لمن سُمي لها صداقٌ فاسد مثل الخمر والمجهول وطلقت قبل الدخول.
فزبدة الكلام بالنسبة لأصحاب المذاهب هي:أنه أوجب الشافعية المتعة إلا للمطلّقة قبل الدخول، التي سُمي لها المهر، والجمهور استحبّوا المتعة، لكن المالكية استحبوها لكل مطلقة، والحنفية والحنابلة استحبوها لكل مطلّقة إلا المفوّضة التي زُوجت بلا مهر فتجب لها المتعة.