الدية:
وعرفت الديةُ بأنها هي المال الواجبُ بالجناية على النفس أو ما في حكمها.
حالات تجب الدية على الجاني دون العاقلة:
ومن الحالات التي تجب الدية على الجاني دون العاقلة هي ما يلي:
- جناية العمد:
اتفق الفقهاء على أن دية قتل العمد تجب على القاتل في ماله وحده ولا تحملها العاقلة؛ لأن الأصل في كل إنسان أن يسأل عن أعماله الشخصية المدنية مثل الإتلافاتِ، والجناية مثل الجرائم، ولا يسأل عنها غيره لقوله تعالى: “كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ” الطور:21. ولقولِ النبي عليه الصلاة والسلام من حديث سليمان بن عمرو بن الأحوص عن أبيه: “لا يجني جانٍ إلا على نفسه”. سنن ابن ماجه.
ولما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:”العمد والعبد والصلح والاعتراف، لا تُعلقه العاقِلةُ”. السنن الكبرى. فلا تحمل العاقلة العمد؛ لأنه مسئول عن جنايته التي ارتكبها عامداً؛ لأن كل جناية عمداً لا تحمل ديتها العاقلة، ولا يستحق التخفيف عنه لأنه غير معذور، بخلاف شبه العمد والخطأ، وفي جعل دية العمد على العاقلة إغراء للجاني على الاعتداء والظلم، وهو غير جائز، ومخالف لتعاليم الإسلام الحنيف وفطرة الله التي فطر الناس عليها.
وعن ابن شهاب قال: مضت السنة أن العاقلة لا تحمل شيئاً من دية العمد، إلا أن يَشاءوا ذلك. والعاقلة إنما تحمل الخطأ، ولا تحمل العمد بالاتفاقِ، ولا تحمل العاقلة جناية العمد؛ لأنه إن جنى عمداً اقتص منه، وإن جنى خطأ ففي رقبته، وكذلك لا تعقل العاقلة من قتل نفسه، وكذلك الصلح لأنه إن كان عما يلزم العاقلة من دية الخطأ، فمن حق العاقلة أن ترده إن شاءت، وإن كان عن عمد فلا يلزمها الأصل أو الفرع. والعمد طريقة التغليظ، وأما الاعتراف فإنه إقرار على الغير، فلا يلزم العاقلة شيء منه، وكذلك هو ابتداء التزام شيء فلا يجب على العاقلة. - ولا تحمل العاقلة الاعتراف:
اتفق الفقهاء على أن العاقلة لا تحمل جنايةً ثبَتت بالاعترافِ. قال ابن قدامة: ولا نعلم فيه خلافاً؛ لأن الإقرار حجة قاصرة على المقر فلا تُلزم به العاقلة؛ لأن الجاني في هذه الحالة يكون متهماً في أن يواطئ من يقر له لتدفع عاقلته الدية، فيُقاسمه إياها. وهناك بعض الحالات التي حمل فيها جمهور الفقهاء المال الواجب بالاعتراف على العاقلة، منها:
1. أن تُصدق العاقلة الجاني في اعترافه: وهو قول الحنفية والشافعية والحنابلة؛ لأن التصديق إقرارٌ منهم فيلزمهم، وعدم تحملها للدية التي ثبتت بالاعتراف، هو المحافظة على حقهم، وقد زال ذلك بالتصديق.
2. إذا كان الجاني المترف ثقة عدلاً مأموناً، لا يتهم بالتواطؤ، وأقسم المقر له أن المقر هو الجاني، وهو قول مالك وبعض أصحابه. فقال البغدادي من علماء المالكية: في الإقرار يقسم معه الأولياء؛ لأنه لوث وبينه ضعيفة ومع القسم تقوى دعواهم إذ لا يتهم فيه. - ولا تحمل العاقلة جناية المرتد والكافر لاختلاف الدين:
والسبب في ذلك انتفاء النصرة، فلا تحمل عاقلته المُسلمون، لعدم النصرة حال الفعل والمولاةِ تكون بين المسلم وأخيه المسلم، قال تعالى: “إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا” المائدة:55. ولا موالاة بين مسلم وكافر، ولا توارث، فلا تناصر هنا. - ولا تحمل العاقلة جناية الإنسان على نفسه خطأ:
واختلف الفقهاء فيما إذا جنى الإنسان على نفسه أو ما دونها خطأ، هل ما يجب في ذلك يكون على العاقلة؟ على مذهبين:
المذهب الأول: لا تحمل العاقلة جناية الإنسان على نفسه، وهو مذهب المالكية والحنفية والشافعية والحنابلة في رواية رجحها ابن قدامة.
المذهب الثاني: تحمل العاقلة جناية الشخص على نفسه أو طرفه خطأ، وهو رواية أحمد. - ولا تحمل العاقلة ما دون الثُلث:
قال ابن المنذر: وقد اتفق العلماء على هذا القول. فالعاقلةُ لا تحمل القليل عن الجاني؛ لأن التحمل لا يكون إلا على جهة المعونة والمواساة والمواساة تتحقق في الكثير من المال لا في القليل، وقد حددت السنة الثُلث من المال.
والسبب في تحديد الثُلث، أن حمل العاقلة على وجه التخفيف عن الجاني والمواساة خيفة أن يجحف الأداء به، وهذا إنما يكون في الكثير دون القليل.؛ ولأن الأصل وجوب الضمان على الجاني، خولف في الثُلث فأكثر، لإجحافهِ بالجاني لكثرته، فيبقى ما عداه على الأصل، وهو الثُلث الذي جاء به النص التالي: عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: لا تعقل العاقلة ولا يعمها العقل، إلا في ثُلث الدية فصاعداً. - خطأ الإمام:
قد يُخطئ الإمام أو الحاكم فيقتل خطأ، فإن كان خطؤه كذلك فهو على عاقلته إن كان ممّا تحملهُ، وهو ممّا لا اختلاف فيه بين الفقهاء. وأما إن كان خطؤه في مجال الحكم والاجتهاد، فهو موضع خلاف بين الفقهاء على مذهبين:
1. ما يجب بخطأ الحكّام يكون في بيت المال ولا تحمله العاقِلةُ، وهو مذهب الحنفية والمالكية، وقولٌ للشافعيةِ والحنابلة وفي رواية راجحةً عندهم.
2. ما يجب بخطأ الإمام والحاكم يكون على العاقِلة، وهو القول الثاني للشافعية والحنابلة في رواية.