حضارة قوم ثمود عليه السلام:
وتشتملُ حضارة ثمود على عدة أمور مهمة ومنها ما يلي:
- الاستقرار الأمني والتقدم السياسي لقوم ثمود:
إنّ من أعظم من نِعم الله تعالى على العِباد وأحقَها بالحمد والشكر هي نعمة الاستقرارِ، فقد أنعم الله عز وجل وتفضل بنعمتهِ على قوم ثمود، حيث مكن الله تعالى في الأرض، وجَعلهم خلفاء في الأرض من بعد قوم هود “عاد” لا يغلبهم فيها أحداً ولا يستطيع قهرهم فيها أحداً، ولا يستطيع السيطرة عليهم أحد ولا يستطيع مواجهتهم وقتالهم أي مخلوق على وجه الأرض وإنّ دلّ هذا فإنما يدلُ على القوة والاستقرار الأمني لقوم ثمود، وبعد هذا الاستقرار امتدت نفوذهم خارج الحجر وعظمت منزلتهم السياسة في ذلك الوقت وقد أخبر الله عزّ وجل عن هذه الحضارة. فقال تعالى: “وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا ۖ فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ” الأعراف:74.
وقد أشار السعدي في تفسيره إلى هذا التقدم السياسي بقوله: “وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ” في الأرض تتمتعون بها وتدرون مطالبهم “من بعدِ” الذين أهلكهم الله ودمر ديارهم وبيوتهم، وجعلكم خلفاء من بعدهم “وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ” أي مكن لكم فيها، وسهل لكم الأسباب الموصلة إلى ما تريدون وتَبتغون من أسباب القوة والمنعة.
ومن أجمل من أشار إلى هذا التقدم السياسي والاستقرار الأمني المراغي رحمه الله فقال: أي تذكروا نعم الله وإحسانه إليكم، إذ جعلكم خلفاء لقوم عاد في الحضارة والعمران والقوة والبأس والمنعة.
وقد أشار الشهيد سيد قطب رحمهُ الله إلى هذا التمكين والاستقرار السياسي في الأرض لقوم ثمود بعد قوم عاد، فقال في تفسير هذه الآية: ونبي الله صالح عليه السلام يذكركم استخلاف الله عزّ جلاله لهم من بعد قوم عاد، إن لم يكونوا في أرضهم ذاتها، ولكن يبدو أنهم كانوا أصحاب الحضارة العمرانية التالية في التاريخ لحضارةِ قوم نبي الله هود “قوم عاد” وأن سلطانهم وملكهم امتد خارج المنطقة التي يسكنونها وهي منطقة الحجر، وبذلك أصبحوا خلفاء ممكنين في الأرض حاكمين فيها، وأن نبيهم صالح عليه السلام ينهاهم عن الانطلاق في الأرض بالفساد اغتراراً بالقوة والمنعة والتمكين، وأمامهم العبرة ماثلة في عاد الغابرين.
ولو تدبرنا قول الله تعالى: “وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ” الحجر:82. لعلمنا كم كانت ثمود في حالة من الاستقرار السياسي في ذلك الوقت. وقد أوضح الزمخشري أسباب ذلك الأمن والاستقرار السياسي الذي عاشه قوم ثمود، فقال في تفسير قوله تعالى: “وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ“. أي آمنين لوثاقةِ البيوت واستحكامِها من أن تُهدم ويتداعى بنيانها، ومن نقب اللصوص ومن أعدائها، ومن حوادث الدهر مثل الزلازل وغيرها، أو آمنين من عذاب الله يحسبون أن الجبال تحميهم من عذاب الله تعالى.
ومن أسباب الأمن والاستقرار السياسي الذي عاشه قوم ثمود يُشير سيد قطب رحمه الله في تفسيره: “وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ“. حيث نبه الشهيد سيد قطب على كثرة أمنهم وأمانهم مستشهداً بقوله تعالى: “وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ“، فما يأمن قومٌ على أنفسهم أكثر مما يأمن قوم بيوتهم منحوتةً في صلب الصخور والجبال. - التحضر العمراني لقوم ثمود:
بعد أن أنعم الله تعالى على قوم ثمود بالاستقرار الأمني والتقدم السياسي، فقد منّ الله تعالى على قوم ثمود بالتحضر العمراني على جميع الأقوام في زمانهم تقدماً لم يشهده أحداً من قبلهم، وقد أشار الله إلى أن هذا التقدم في كتابه العزيز، فقال، تعالى: “وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ” الفجر:9. - التقدم الزراعي لقوم ثمود:
لقد بين الله تعالى النعيم الذي عاشهُ قوم ثمود في تقدمهم الزراعي، فقد أعطاهم الله تعالى البساتين الجميلة والزروع الكثيرة اليانعة، فقد وصفها الله تعالى لحسنها وجمالها الخلاب بالجنات، ومن كثرة الزروع والأصناف فيها والعيون المتفجرة فيها فقال تعالى: “أتُترَكُونَ في ما هَهنا ءامِنين- في جَنّتٍ وعيونٍ- وزروعٍ ونخلٍ طلعها هَضيم” الشعراء:146-147.
وتحدث السيد قطب في تفسيره: أي لا تظنوا أنكم تتركون دياركم آمنين متمتعين بالجنات والعيون والزروع والثمار والنخيل والبساتين، وأن لا دار للجزاء على العمل، بل عليكم أن تتذكروا أن ما أنتم فيه من النعيم والنخيل والبساتين، وأن لا دار للجزاءِ على العمل، لا عليكم أن تتذكروا أن ما أنتم فيه من النعيم والأمن من الأعداء لن يدوم وأنكم عائدون إلى ربكم، وسَتُحاسبون على أعمالكم خيرها وشرّها.