تعريف حد القذف:
حد القذف: هو رمي الشخص سواء كان رجلاً أو امرأة بالزنا أو اللواط، إذا قذف المكلف وإن كان أخرس بإشارة بالزنى، كان محصنًا ولو مجبوبًا، أو رتقاء أو ذات محرمٍ، فيُجلد القاذف الحرُ ثمانين جلدةٍ؛ لقوله تعالى: “وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً “النور: 4.
وإذا كان القاذف عبداً فحدّه الجلد أربعين جلدةً، وقذف غير المحصن ولو قنه وجب التعزير على القاذف ردعاً عن أعراض المعصومين، وهو حقٌ للمقذوف. والمحصن هنا هو الحر المسلم العفيف العاقل، ولا يُشترط بلوغه، ولكن لا يُحد قاذف الشخص غير البالغ حتى يبلغ ويُطالب.
حكمة التشريع في حدّ القذف الحرّ دون العبد:
إن الشريعة قد جمعت بين المختلفين وفرقّت بين المتماثلين في توضيح حكمة التشريع في حد القذف الحر دون قاذف العبد، وأما جلد قاذف الحر دون العبد، فالتفريقُ لشرعه بين ما فرق الله بينهما بقدره، فما جعل الله سبحانه العبد كالحر من كل وجهٍ لا قدراً ولا شرعاً. وقد ضرب الله سبحانه لعباده الأمثال التي أخبر فيها بالفارق بين الحرّ والعبد، وأنهم لا يقبلون أن تساويهم عبيدهم في أرزاقهم.
إن الله تعالى قد اختار بعض خلقه على بعض، وميّز الأحرارُ على العبيد في المُلك وأسبابه وفي القدرة على التصرف، فجعل العبدُ مملوكاً والحرُ مالكاً، والمالك والمملوك لا يتساويان، ولكن التسوية فيما بينهما تكون في أحكام
الثواب والعقاب، فهذا هو موجب العدل والإحسان، فيوم القيامة لا يبقى هناك عبداً ولا حراً ولا مالكٌ ولا مملوك.
وقال ابن القيم رحمه الله في إظهار محاسن التشريع في هذا التفريق يشترك مع غيره من المتقدمين، مثل القرطبي ويتشارك معه غيره من المتأخرين، كابن حجر والتوضيح يكون كما يلي:
1- قول القرطبي المالكي: قال القرطبي رحمه الله، أجمع العلماء على أن الحرّ لا يُجلد للعبد إذا افترى عليه لتوضيح مَرتبتهما، والدليل قوله عليه الصلاة والسلام “من قذف مملوكه بالزنا، أقيم عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال”. أخرجه البخاري. وإنما كان ذلك في الآخرة لارتفاع الملك واستواء الشريف والوضيع والحر والعبد ولم يكن لأحدٍ فضلٌ على أحد إلا بالتقوى.
2- قول الحافظ ابن حجر الشافعي: قال ابن حجر رحمه الله في فتح الباري معللاً التفريق أنه لو وجب على السيد أن يجلد في قذف عبده في الدنيا، لذكره كما ذكره في الآخره، وإنما خص ذلك في الآخرة تمييزاً للأحرار من المملوكين، فأما في الآخرة فإنه يزول عنهم ملكهم ويتكافأون في الحدود ويقتنصُ لكل منهم إلا أن يعفوا، ولا أيُ مفاضلة تكون إلا
بالتقوى. فهذا الكلام يدور على البيانُ بين مرتبتي الحرّ والعبدُ. ولكن ابن القيم توسع في البيان والإيضاح بتتبع كلام أهل العلم وفي هذه المسألة نجد أن هناك قولين لأهل العلم وهما على ما يلي:
القول الأول: أنه لا حدّ يقام على قاذف العبد في الدنيا، وإنما عليه التعزير، وهذا ما تناقلته كتب المذاهب التي لا تكادُ تختلفُ فيه.
وجه الاستدلال منه: أنه لو وجب على السيد حدٌ في الدنيا إذا قذف عبده، لذكره كما ذكره في الآخرة فإن لم يذكره فهذا يدل على أنه لا حدّ عليه.
القول الثاني: إن الحرّ إذا قذف العبد أقيم عليه الحدُ وهذا قول الظاهرية.
وجه الاستدلال: أن الله تعالى قد رتّب حكم الذين يرمون المحصنات أي العفائف على الإحصان: وهي العفة وهذا يشمل الحرّ والعبد؛ لأن المحصنات هي جمعٌ معرف، يفيد العموم ولفظ الذين هو اسم موصول، فيشمل الذين يرمون الأحرار أو العبيدُ بناءً على تفسير المحصنات بالعفائفِ، فيجب إذا حدّ قاذفُ العبدُ مثل قاذف الحر.