ردة من سبّ النبي:
إن من قواطع الأحكام في الإسلام أن من سبّ النبي عليه الصلاة والسلام، فهو كافرٌ ومرتدٌ عن الدين الإسلامي بأكمله، وعقوبته في الإسلام، هي القتل. وقد قال ابن القيم رحمه الله تعالى إجماع المسلمين من الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم.
هذا إجماعٌ معروفٌ لدى كافة أهل العلم، ومن حكاه من الخطاب وابن تيمية. فقد قرر ابن سحنون من علماء المالكية: أن من شك في كفر ساب الرسول عليه الصلاة والسلام وعذابه، فإنه يُعتبر كافر.
أما الحكم بردّة ساب النبي عليه الصلاة والسلام أمرٌ فطري؛ لأنه لا يسبه إلا إذا كان جاحداً له، وقد ذكر الله تعالى كفر المستهزئ، وهو بعكس السّاب، فقال تعالى: “قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ” التوبة:65.
ردّة قاذف عائشة أم المؤمنين:
إن من مواطن الإجماع، أن من قذف عائشة رضي الله عنها، فهو كافر وعقوبته القتل، وفي حكاية الإجماع على كفره يقول ابن القيم: اتفقت الأمة على كفر قاذف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها. وفي الإجماع قالوا في هذا الأمر هم، ابن حزم وابن تيمية، وغيرهم.
والحجة على ذلك هي أنّ براءتها قد نزلت في كتاب الله، فيكون قاذفُها مكذباً لنص كتاب الله كما في آيات براءتها في قصة الإفك، إذ قال سبحانه:”يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ“النور:17. عقوبته: أما عقوبته فهي القتل؛ لأن من رماها بالقذف، فقد خالف نص القرآن الصريح ومخالفته وتلك الحالة هي كفر، والذي قرر عقوبة القتل مالكٌ وغيره.
الهازل وردته:
قال ابن القيم في تعريفه للهازل: بأن الهازل هو الذي يتحدث الحديث من غير قصد لموجبهِ وحقيقته، بل يكون حديثه على وجه اللعب. ويأتي عكس الهزل الجدّ، أو الجادّ: ويأتي بكسر الجيم وهو نقيض الهزل، وهو مأخوذ من جد فلان. أي أنه عظم واستغنى وصار ذا حظ. أما مُثبتوا المجاز فيقولون في حدّ الهازل: هو الذي لا يريد باللفظ معناه لا الحقيقي ولا المجازي.
موقف ابن القيم من الهزل في حقوق الله تعالى:
لقد بحث ابن القيم رحمه الله تصرفاتِ الهازل وعقوده، سواء كانت بيع أو شراء أو ما شابه ذلك من حقوق العباد.
والهزل فيما هو متضمن لحق الله وحق العبد مثل النكاح والطلاق والعتق. والهزل أيضاً فيما هو محض حق الله تعالى، وقرر رحمه الله تعالى حرمة الاستهزاء والهزل فيما هو محض حق الله تعالى فقال: ليس للعبد أن يهزل مع ربه ولا يستهزئ بآياته، ولا يتلاعب بحدوده.
وفي حديث أبي موسى: ما بالُ أقوامٍ يلعبون بحدود الله ويستهزئون بآياته. وكلمة لعبٍ تعني هنا أنهم غير ملتزمين لأحكامها، وحكمها لازم لهم.
وخلاصة الأمر: هو أن اللعب والهزل والمزاح في حقوق الله تعالى غير جائز، فيكون هناك جدّ القول وهزله سواء، بخلاف جانب العباد. ألم نرى أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يمزح مع الصحابة ويُباسطهم، أما مع ربه تعالى فيكون جدّ الجدّ.
أما ردة الهازل: وهي من أتى هازلاً ما فيتوجبُ عليه ردته، وعقوبته القتل كما حدد أكثر من واحد من أهل العلم. والدليل على هذا قوله تعالى:”وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ–
لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ۚ“التوبه:65-66.