سنن الأذان:
الأذّان: هو الإعلام عن وقت الصلاة، والدعوةِ إليها، ويجب على المُسلم المؤمن المُصلي الإجابة. وهو على صيغة: حي على الصلاة، حي على الفلاح، هذه دعوة، ومعنى“حيَّ”: أي أقبلوا إلى الصلاة، أقبلوا إلى الفلاح.
ولهذا لما جاء رجلٌ أعمى إلى النبيِّ الكريم عليه الصلاة والسلام فقال: “يا رسول الله، إنه ليس قائدٌ يُلائمني إلى المسجد، فهل لي من رخصةٍ أن أُصلي في بيتي؟ فرخَّص له، ثم قال: هل تسمع النِّداء بالصلاة؟ قال: نعم، قال: فأجب، فالإجابة واجبةٌ على جميع المُكلفين من الرجال، إلا من عذرٍ: كالمريض ونحوه ممن له عذرٌ، كالخائف، والحارس على مالٍ يخشى ضَياعه لو أجاب، ونحو ذلك مما بيَّن العلماء في أعذار ترك الجمعة أو الجماعة”.
إن العبادات لها سنن يستحب أن تكون مصاحبة لها أو تأتي بعدها كما في الصلوات المفروضة، والأذان عبادة من العبادات التي يتقرب بها إلى الله تعالى، له سنن يُستحب أن يؤتى بها، وقد ذُكِرت بعض هذه السنن في الصفات المستحبة للمؤذن إلا أنه لا يمنع من ذكرها هنا من أجل أن تكتمل الفائدة ويعم الخير للمسلمين، فالسنن كما يلي:
1- أن يكون المؤذنُ صيتاً وحسنُ الصوت، ويرفع صوته بالأذان؛ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم في خبر عبد الله بن زيد: “فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت به، فإنه أندى منك صوتاً” أخرجه أبو داود. أي أبعد، ولزيادة الإبلاغ، وليرقّ قلب السامع، ويميل إلى الإجابة. أما رفع الصوت: فليكون أبلغ في إعلامه، وأعظم لثوابه، كما في حديث أبي سعيد وحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “المؤذن يغفر له مدَّ صوته، ويشهد له كل رطب ويابس“رواه الخمسة إلا الترمذي.
2- أنّ يؤذن قائماً على حائطٍ أو منارة للاسماع أن الحائط أو المنارة قد أغنت عنها المكبرات الصوتية في زماننا: قال ابن المنذر: “لقد أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أنّ السّنة أن يؤذنُ قائما” وجاء في حديث أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال: “قم فأذن” متفق عليه. وكان مؤذنو رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذنون قياماً. فإن كان له عُذر مثل المرض أو ما شابه ذلك فعليهِ أن يؤذن قاعداً.
3- أن يكون المؤذن حرّاً بالغاً أميناً صالحاً عالماً بأوقات الصلاة، لحديث ابن عباس:”ليؤذن لكم خياركم ويؤمكم أقراؤكم” وهذا سنة عند الجمهور غير المالكية، أما المالكية فيشترطون العدالة، كما أن الشافعية يشترطون في موظف الأذان العلم بالوقت.
4- أنّ يكون المؤذن متوضأً وطاهراً وجاهزاً لإقامة الأذان، وذلك لحديث “لا يؤذنُ إلا متوضئ” وفي حديث ابن عباس: “إن الأذان متصلٌ بالصلاة فلا يؤذن أحدكم إلا وهو طاهر”.
5- يجب على المؤذن أن يكون بصير؛ هذا لأن الأعمى لا يعرف الوقت، فربما غلط، فإن أذن الأعمى صحّ أذانه، فإن ابن أم مكتوم كان يؤذنُ للنبي صلى الله عليه وسلم، قال ابن عمر فيما روى البخاري:“كان رجلاً أعمى لا ينادي حتى يقال له: أصبحت، أصبحت” وقال المالكية: يجوز أذان الأعمى إن كان تبعاً لغيره أو حاول تقليد ثقة في دخول الوقت.
6- أنّ يجعل إصبعيه في أذنيه؛ لأنه أرفع للصوت، ولما روى أبو حنيفة: “أن بلالاً أذن، ووضع إصبعيه في أذنيه” متفق عليه. وعن سعد مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالاً أن يجعل إصبعيه في أذنيه، وقال : إنه أرفع لصوتك” أخرجه ابن ماجه.
7- أنّ يترسل المؤذن أي يتمهل أو يتأنى في الأذان فيسكتُه بين كل كلمتين ويحدر “يسرع” في الإقامة، بأن يجمع بين كل كلمتين، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال لبلال رضي الله عنه:“إذا أذنت فترسَّل، وإذا أقمت فاحدر” أخرجه الترمذي. ولأن الأذان لإعلام الغائبين بدخول الوقت، والإعلام بالترسل أبلغ، أما الإقامة فلإعلام الحاضرين بالشروع في الصلاة، ويتحقق المقصود بالحدر.
8- بجب على المؤذن استقبال القبلة؛ وذلك لأن مؤذني النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يؤذنون مستقبلي القبلة ولأن فيه مناجاة فيتوجه بها إلى القبلة.
9- أنّ يؤذن لوجه الله تعالى ولا يأخذ على الأذان والإقامة أجراً كان هذا باتفاق العلماء، ولا يجوز أخذ الأجرة على ذلك عند الحنفية، والحنابلة في ظاهر المذهب؛ لأنه استئجار على الطاعة، وقربة لفاعله، والإنسان في تحصيل الطاعة عامل لنفسه، فلا تجوز الإجارة عليه كالإمامة وغيرها؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعثمان بن أبي العاص “واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً” رواه أبو داود. وأجاز المالكية والشافعية في الأصح الاستئجار على الأذان؛ لأنه عمل معلوم يجوز أخذ الأجر عليه كسائر الأعمال، وأفتى متأخرو الحنفية وغيرهم بجواز أخذ الأجرة على القربات الدينية، ضماناً لتحصيلها بسبب انقطاع المكافآت المخصصة لأهل العلم من بيت المال. كما أن الحنابلة قالوا: إن لم يوجد متطوع بالأذان والإقامة، أعطي من يقوم بهما من مال الفيء المعد للمصالح العامة.
10- يستحب عند الجمهور غير الحنفية أن يكون للجماعة مؤذنان، فقط وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم:” كان له مؤذنان: بلال وابن أم مكتوم” متفق عليه. ويجوز الاختصار على مؤذن واحد للمسجد، والأفضل أن يكون مؤذنان لهذا الحديث، فإن احتاج إلى الزيادة عليهما، جاز إلى أربعة؛ لأنه كان لعثمان رضي الله عنه أربعة مؤذنين، ويجوز إلى أكثر من أربعة بقدر الحاجة والمصلحة عند الحنابلة والشافعية. وإذا تعدد المؤذنون فالمستحب أن يؤذن واحد بعد واحد، كما فعل بلال وابن أم مكتوم، كان أحدهما يؤذن بعد الآخر؛ ولأن ذلك أبلغ في الإعلام. ويصح في حالة تعدد المؤذنين: إما أن يؤذن كل واحد في منارة، أو ناحية، أو يؤذنوا دفعة واحدة في موضع واحد.
11- يُستحب أن يؤذن المؤذن في أول الوقت ليُعلم الناس فيستعدوا للصلاة، وروى جابر بن سمرة قال: “كان بلال لا يؤخر الأذان عن الوقت، وربما أخر الإقامة شيئاً” رواه ابن ماجه. وفي رواية قال: “كان بلال يؤذن إذا مالت الشمس لا يؤخر، ثم لا يقيم، حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم فإذا خرج أقام حين يراه” رواه أحمد في المسند.
12- ويصحُ أيضاً استدعاء الأمراء إلى الصلاة؛ وذلك لما روت عائشة رضي الله عنهما أن بلالاً جاء فقال: السلام عليك يا رسول الله وبركاته، الصلاة يرحمك الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “مروا أبا بكر فليصلِ بالناس، وكان بلال يُسلم على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، كما كان يُسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم”.