الردّة:
فالردّةُ هي: قطع الإسلام بنية كفر، أو قول كفر، أو فعل مكفر؛ سواء قاله: استهزاء، أو عناداً، أو اعتقاداً. فقال تعالى:”وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ“البقرة:217.
شروط الردّة:
تكتمل شروط الردّة بثلاثةِ أجزاء ألا وهي:
– حكم الجنون.
– حكم الصبي.
– السكران.
وسنتكلم عن كل واحداةً منها، وسنبدأ أولاً بحكم المجنون.
حكم المجنون:
وحكم المجنون ينقسم إلى قسمين:
الأول: من يكون جنونه مستمر، وقد انعقد إجماع العلماء على عدم صحة ردّته؛ لأنه لا إرادة له، والإرادة مناطُ التكليف كما هو متعارف عليه.
الثاني: وهو الذي يكون جنونه غير مستمر، وذلك بأن الجنون مدّة معينة ثم يفيق بعدها مدة أخرى. وحكمه صحة ردّته في حال إفاقته لوجود العقل الذي هو من شرائط الأهلية، وعدم صحة ردّته في حال جنونه لفقد العقل.
حكم الصبي:
وهو الذي لا يميز بين الجمرة والتمرة، وحكمه، كحكم المجنون بااتفاقٍ، فلا تصح ردّته لو حصل منه ما يُعتبر ردّة لغيره ويبين وضع االصّبي هو ما يلي:
المميز:
ويشمل هذا الأمر على المميز:
المميز: هو الذي يميزُ بين النافع والضار له في الجملة وليس له سنٌ معينة على الصحيح، فقد يميز الإنسان وهو ابن خمس، وقد لا يُميز وهو ابن سبع، وقد أمر الرسول عليه الصلاة والسلام، بتعليمهم الصلاة إذا بلغوا السبع، وقد يدل هذا على أن الحد الفاصل بين المميز وغيره، والغالب في مثل هذا السن التمييز، ولكن ليس قاطعاً.
مذاهب العلماء في صحة ردّة المميز:
ومن أهم ما قالوا في هذا الموضوع هم:
1. الحنفية: وقد ذهب هذا المذهب إلى صحة ردّة الصبّي المميز، ولكنه لم يقل بقتله حتى يبلغ، وهذا هو ظاهر مذهب مالك رحمه الله.
2. الشافعي: وقال رحمه الله لا تصحُ ردّته، وهو ظاهر مذهب أحمد رحمه الله، وفي رواية عنه صحة ردّته مثل مذهب أبو حنيفة. وهذا الخلاف مبنيٌ على صحة إسلام الصبي، فإن أبو حنيفة يصحح إسلامه، ويبني على ذلك صحة ردّته.
والشافعي يقول: لا يُصحح إسلامه ولا ردّته، وعن أحمد ثلاث روايات صحة إسلامهُ وردّته عدم صحتهما، وصحة الإسلام دون الردّة. والذي صحيحٌ إسلامهُ دون ردّته أو لم يُصححهما معاً بقوله عليه الصلاة والسلام: “رُفع القلم عن ثلاثة، منهم الصبّي حتى يبلغ”.
واستدلال من صحح إسلامه دون ردّته بهذا الحديث أوضح، ولا حُجة فيه لمن نفى صحة إسلامه، لأن الظاهر من الحديث هو رفع الإثم الذي كُتب عليه، لا لنفي الأجر الذي يُكتب له، فهذا هو الذي يتناسب مع فضل الله ورحمته، والدليل على ذلك العُموميات، كقوله: من قال لا إله إلا الله فقد دخل الجنة، ودلت أيضاً النصوص على صحة عمله من صلاةٍ وحجٍ، كما قال للتي سألته عن صبي لها، ألهذا حجّ؟ قال: نعم ولك أجر، وكذلك أمره بتعليم من يبلغ من العمر سبعاً للصلاة، والأمر بالضرب من بلغ العاشرة عليها.
السكران:
ويشمل هذا المبحث على أمرين:
الأول: صحة ردّته، وهو مذهب مالك والشافعي، وتوضيح الروايتين عن أحمد رحمهم الله واستدلوا على ذلك بأدلة وهي: إن الصلاة واجبة عليه، وصحة إطلاقه، وإن عقله ليس زائلاً كلية بدليل إتقائهِ المحظورات.
الثاني: عدم صحة ردّته وهذا مذهب أبي حنيفة ورواية عن أحمد.
ودليلهم على ذلك: بأن عقله هو الذي يجعله أهلاً للتصرفات ولا سيما الاعتقاد الذي لا يوجد بدون قصد. ثم إن الرسول صلّى الله عليه وسلم، أمر بإستنكاءِ ماعزٍ عندما أقر بالزنا خشية أن يكون أقر وهو سكران، وذلك دليل على أن تصرف السكران غير معتدٍ به شرعاً. أما ما يُقال من أنه يستحق العقاب لإتيانهِ السكر مختاراً، فهذا غير صحيح؛ لأن العقاب مرجعهُ للشرع، والشرع قد حدد عقابهُ بالجلد، فالزيادةُ عليه زيادة لا دليل، فيجب الاقتصار على ذلك وهذا هو الصحيح لظهور أدلته.
بماذا تثبت الردّة:
وفي تتمة هذا المبحث هناك أمرين وهما: إقرار المرتد، والشهادة على ردّته بشروطها.
- إقرار المرتد: ولا شك بأن أقوى طريق لإثبات المسؤولية، هو إقرار المسؤول نفسه، فإذا أقر المسلم ارتد عن الإسلام إلى الكفر فقد ثبت حكم الردّة في حقه، ولا بد أن يكون أهلاً للإقرار كما مضى، فإن رجع عن إقراره قبل منه بدليل قصة ماعز الذي أقر بالزنا، وعندما أخذ الصحابة في رجمهِ هرب، فلحقوهُ ورجموه حتى مات، فعلمَ النبي عليه الصلاة والسلام بذلك قال: هلا تركتموه. وهذا كان في حق الله تعالى، أما في حق الأفراد، فلا يُقبل رجوعه عن الإقرار.
- الشهادة بشروطها: فإذا شهد شاهدان وهما أهلٌ للشهادة بحيث تتوفر فيهما الشروط المطلوبة، وهي أن يكونا عاقلين بالغين حرين عدلين ذكرين، وألا يرجِعا عن شهادتهما، تُثبت الردّة على شهداً عليه، فإن أنكر وقال: أنا لا أزال على إسلامي قبل قوله، ونظر في صحة إدعائهِ، فإن أظهر ما يصير به الشخص مسلماً تُرك وشأنه، و إن تصرف تصرفِ الكافر كان ذلك تأكيداً لشهادةِ الشهود فيكون مرتداً.