من صفات إبراهيم عليه السلام أنه دائم الشكر:
إن الشكر من أعظم صفات الرسل صلواتُ الله عليهم ولذا كان من وصف خليل الرحمن عليه السلام بأنه كان من الشاكرين لله، فوصفهُ الله بذلك فقال تعالى: “إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ- شاكراً لأنعُمِهِ” النحل 120-121. ففي الآية الكريمة بيانُ أن شُكر إبراهيم عليه السلام لنعمٍ أنعمَ بها الله عليه، وكان عليه السلام قائماً بشكر نعم الله عليه على أتم وجه، ولذا اجتباه واصطفاه، ومن المعاني في الآية أنه عليه السلام قدوةً لمن بعده، فهو أمة في الخير، ومن صفات الأمة حين يكون قدوة، أن يكون قانتاً لله وشاكراً له على نِعمه، فالشكرُ تحقق الوجود العظيم المنعم المستحق للشكر.
وقد بينت الآيات الكريمة مثالاً على شكرِ إبراهيم عليه السلام، وذلك بحمده لله تعالى على نعمة الولد، الذي أنعم الله عليه وعلى زوجه في كِبرهِ عليه السلام، وقد ذكر الله في كتابه عزّ جلاله حمدهُ عليه السلام لربهِ؛ لرزقة الولد فقال تعالى: “الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ۚ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ” إبراهيم:39. وهنا لفتة في لفظة الحمد، والفرق بينهما وبين الشكر، وقد وقع في ذلك اختلاف، وذكر ابن القيم الفرق بينهما، وذلك بأن الحمد يقعُ بالقلب واللسان، بخلافِ الشكر فإنه يقع بالجوارح مع القلب واللسان، وبهذا يكون الشكر أعمُ من الحمد؛ لأن الحمد لا يكون إلا باللسان، وقولٌ آخر أن الشكر أخص من جهة، حيث إنه يقتصر على حصول النعمة، أما الحمد فهو أعم من ذلك، فيكون في مقابل النعمة وغيرها، والشاهد عليه أن الله له المحامد كلها وفي كل حال فهو محمودٌ في السراء والضراء والعطاء والمنع، فله الحمد على خلقه وأمره.
ولم يقف شكره عند هذا الحدّ، بل أنه أمرَ قومهُ بشكر الله، فقال داعياً لهم: “إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ ۖ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ” العنكبوت:17. فهنا يدعوهم ليتفكروا بعظيمِ نعم الله عليهم، ولكنهم قابلوا هذه النعم بالجحود والكفران فعبدوا غيره من لا يستحق عبادةً ولا شكر. وهكذا فإن خليل الرحمن كان شاكراً بقلبه وبلسانه وجوارحه محباً له، ومعترفاً بنعمه وما زاده من فضله، مستعملاً كل نعمةٍ فيما يرضي ربه، فكان بعد النبي عليه الصلاة والسلام سيد الشاكرين.
تعريف الشكر:
الشكرُ هو : الاعتراف بالإحسان، والثناء على المحسن بما قدم من معروف.
الشكر شرعاً: هو ظهور أثرُ نعمةِ الله على لسان عبده ثناءً واعترافاً وعلى قلبه شهوداً ومحبةً وعلى جوارحه انقيادٌ وطاعة، والشكرُ تصور النعمة وإظهارها، وضد الكفر، وهو على ثلاثة أنواع، شكر القلب وذلك بتصور النعمة، وشكر اللسان ويكون بالثناء على المعطي وشكر الجوارح ويكون برد المعروف بقدر ما يستحقهُ المعطي.