اقرأ في هذا المقال
قصة أصحاب القرية وحبيب النجار:
هناك قصة تسمى قصة أصحاب القرية وهي جميلة جدًا، ذكرها الله تعالى بالقرآن الكريم وفصّل فيها وهي موجودة في “سورة يس”. فهي قرية من القرى يقصّ الله تعالى علينا خبرها، فيقول الله تعالى لنبينا: اضرب لكفار قريش مثل هذه القرية وماذا حصل فيها وما الذي حدث فيها ومن هم أصحاب تلك القرية.
هي قرية لا أحد يعلم ما اسمها ولكن قال البعض إنها قرية في بلد أنطاكيا والبعض يقول علمها عند الله، أرسل الله تعالى إليهم رسل وكلما جاءهم رسولٌ كذبوه وكفروا به، حتى أن الله تعالى أرسل لهم اثنين من الرسل مرة واحدة، ومع ذلك فقد كذبوهما، فأرسل الله تعالى إليهم رسول ثالث إلا أنهم أصرّوا على أن يكذبوهم، فقال تعالى: “وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ – إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ” يس:13-14.
وكان ردّ أصحاب القرية على هؤلاء الرسل الثلاثة الذين بعثوا لقرية واحدة، فقال تعالى: “قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمَٰنُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ” فردّ عليهم الرسل وقالوا لهم: “قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ – وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ“ فنحن ما يهمنا سواء أمنتم أم لم تؤمنوا ولكن نكتفي بأن الله تعالى بعثنا إليكم، فنحن جئنا للبلاغ ولكن الهداية هي من عند الله.
فقام الناس بالردّ على هؤلاء الرسل والأنبياء بكل جراءة، فقال تعالى: “قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ ۖ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ” يس:18. أي أننا قد سئمنا منكم وأن كل ما فعلتموه هو ممنوع وحرام، فقد أبعدتم الناس عنّا ومنعتموهم من المجيء إلينا، فأول ما بدأو به مع الأنبياء هو الاستهزاء وثم التكذيب والاحتقار ثم بعد ذلك قاموا بتهديد الرسل وقالوا لهم: إن لم تتوقفوا عن تلك الدعوة فإننا سنضعكم في مكان ونرميكم بالحجارة حتى الموت أو أنه سيمسكم منا عذاب أليم وشديد.
فردّ الأنبياء عليهم وقالوا لهم: أذا أرسل عليكم عذاب أو بلاء أو أهلككم الله فلا تقولوا نحن سببه، ولا تقولوا الشئم والعيب منا، بل منكم؛ لأنكم كفار مسرفين وأنتم عصيتم ربكم وبفعلكم السيء وربكم أرسل ذلك لكم، قال تعالى: “قَالُوا طَائِرُكُم مَّعَكُمْ ۚ أَئِن ذُكِّرْتُم ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ” يس:19.
من هو حبيب النجار:
لقد سمع بذلك الخبر رجل قد أمن بأولئك الرسل واسمه حبيب النجار، فهو رجل مريض ومصاب بالجُذام وأنه مبتلى بذلك المرض مع أنه مؤمن وأنه رجل صالح وعابد لله تعالى وكان يسكن في آخر القرية، فقد علم حبيب النجار بأن ثلاثة من الرسل جاءوا للقرية من أجل هداية أصحابها، إلا أن أهل القرية كفروا بهم ولم يؤمنوا به.
فخرج حبيب من بيته وهو مريض وأخذ يركض بنفسه ويقول لأهل القرية: عليكم بالهداية فانظروا إلى حالي؛ لأنني عندما سمعت بأن الأنبياء جاءت لهدايتنا أمنت بهم، فقال تعالى: “وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ – اتَّبِعُوا مَن لَّا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ – وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ – أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَٰنُ بِضُرٍّ لَّا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنقِذُونِ” يس:20-23.
فقام أهل المدينة على ذلك الرجل وصار يطؤون فيه بأقدامهم على ذلك الرجل ويضربون جسده بقوة، فسقط الرجل على الأرض من شدة الضرب وقيل بأنهم حفروا له حفرة ووضعوه فيها وصاروا يرمونه بالحجارة ويعذبونه، فرفع حبيب النجار يديه إلى السماء ويقول: يا رب اهد قومي فإنهم لا يعلمون، اللهم أصلح قومي واشرح صدورهم إليها. فما من شدة الضرب وأدخله الله الجنة، فلما رأى الجنة ونعيمها وما فيها من خيرات، تذكر قومه الذين قتلوه ورموه بالحجارة، فلا زال يحزن عليهم ويرأف بحالهم ويتمنى لهم الهداية. فقال تعالى: “قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ۖ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ – بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ” يس:26-27.
ماذا سيحل بأصحاب القرية بعد موت حبيب النجار:
لقد أمر الله تعالى جبريل عليه السلام بان يرسل عليهم صيحة واحدة، فقال تعالى: “وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ – إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ” يس:28-29. فقام جبريل وصعقهم بصيحة واحدة فلم يبقي منهم أي أحد في تلك القرية لا أطفال ولا نساء ولا شيوخ ولا غير ذلك. فقد كانت تلك الصيحة قوية؛ لأنها خلعتهم من أجسادهم، ثم بعد ذلك قال الله تعالى فيهم: “يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ۚ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ” يس:30.
إن ما حلّ بأصحاب هذه القرية؛ بسبب عنادهم وعصيانهم وكفرهم؛ فقد توجب عليهم انهم آمنوا بهؤلاء الرسل واتبعوهم؛ لئلا يرسل الله تعالى عليهم سخطه وعذابه، فقال الله تعالى: “وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ” الحشر:7.