قصة اليصابات زوجة زكريا عليه السلام
ما زال الحديث موصولًا حول بعض النساء اللاتي تكلم الله تعالى عنهن في القرآن الكريم، ومن هؤلاء النساء زوجة زكريا عليه السلام، وما يلفت النظر في قصة زكريا بأنه ورد ذكرها في أول سورة مريم بأن قال تعالى: “ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا – إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا – قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا – وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا“.
اسمها الياصابات وقيل اسمها إيشاع وهي زوجة زكريا عليه السلام، وهي أخت حنّة أم مريم عليها السلام، ولم تلدُ إلا يحيى عليه السلام بعد عقرٍ طال فترة من الزمن، فقد كان زكريا عليه السلام يعمل خادم الهيكل في بيت المقدس ومعه عمران والد مريم عليهما السلام، فكانوا أمناء على الشريعة الإسلامية.
فقد تقدم السن بزكريا عليه السلام وزوجته، وقد تجاوزا السبعين من عمرهما ولم يُنجبا أولاد، إذ أن زوجته لم يكن عندها أي مؤهل للحمل بسبب تقدمها في السن فقد كان دائم التضرع والمناجاة بأن يرزقه الله بالذرية الصالحة حتى يرثه من أجل القيام بمسؤولية الأمانة على الشريعة في بني إسرائيل، وزاد حنانه وشوقه للأولاد عندما وضعت حنّة مريم عليها السلام، وأنّ حنّة من شدة تقواها نذرت ما في بطنها لخدمة الهيكل.
ما هي علاقة زكريا بمريم عليهما السلام
لقد كان زكريا عليه السلام قد كَفل أخت زوجته وهي مريم بنت عمران، فقد رأى منها الصلاح والعفاف والتقوى وكان للسيدة مريم محراب خاص بها للعبادة فيه وكانت لا تغادره إلا قليل، وكان يقوم بزيارتها دائمًا وفي ذات يوم لفت انتباهه بما يراه عندها من رزق الله، فكان يجد فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء وقد تكرر ذلك الأمر عندها عدة مرات، فعندئذٍ سألها؟ من أين لكِ هذه المؤكولات، فأجابته أنه من عند ربي، فقال تعالى: “كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ” آل عمران:37.
فلما رأى زكريا هذه الكرامة من مريم عليها السلام تمنى من ربه بأن يرزقه الله ولدًا صالحًا، فدعا زكريا ربه وقال: “هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ۖ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ” آل عمران:38. وكان من زكريا عليه السلام أنه خاف الموالي أي الذين كانوا يلونه في النسب وهم بنو عمه؛ لأنه كان منهم أشرار بني إسرائيل فخاف أن لا يقوموا بخلافته بشكل حسن في أمته ويبدّلوا عليهم دينهم.
وبعدها جاءته الملائكة بالبشرى ونادته بأمر الله تعالى فقال تعالى: “يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا” ولم يسمى هذا الإسم لأحدٍ من قبل، فقد تساءل زكريا عليه السلام وهو في محرابه ويقول لربه: “قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا – قَالَ كَذَٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا“.
فقد كان تعجب زكريا وزوجته تعجبًا مكنىً به عن شكر الله تعالى بهذه الهدية والعطية الكريمة من عند الله، ثم أن زكريا عليه السلام بعدما بشرته الملائكة ببشارة يحيى له طلب من الله تعالى أن يجعل له دليلًا وعلامة على وجود الحمل في بطن زوجه، وذلك ليطمئن قلبه ويستقر، فاستجاب الله تعالى لطلب زكريا وجعل له علامة، فقال تعالى: “قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا” وخرج من المحراب الذي بُشر فيه بيحيى.
وبعدها خرج على قومه من المحراب وقال لهم: سبحوا الله في الليل والنهاء، فقال تعالى: “فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا” وبعدها وضعت زوجة زكريا عليه السلام ابنها يحيى الذي جاء لأبويه بعد زمنٍ ومعاناةٍ طويله، جاء بعد دعوة نبي الله زكريا له، فكان عليه السلام وزوجته وابنه يسارعون في فعل الخير والفضائل، فقال تعالى: “إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ”. ومما أكرم الله تعالى به زوجة زكريا أن جعل ابنها متواضعًا وبّارًا بها، فقال تعالى: “وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا” مريم:14.
تحليل قصة زوجة زكريا عليه السلام:
تُعلّمنا قصة زكريا عليه السلام وزوجته العديد من الدروس والعبر، منها:
- فضل الدعاء: استجاب الله تعالى لدعاء زكريا عليه السلام ورزقه ذرية صالحة.
- الصبر على الابتلاء: صبر زكريا وامرأته على ابتلاء فقدان ابنهما يحيى عليه السلام.
- العاقبة الحميدة: نال زكريا وامرأته الأجر والثواب من الله تعالى في النهاية.