ما هي قصة الرجل الذي أمر أولاده بحرقه بعد موته؟

اقرأ في هذا المقال


كان هناك رجلٍ غارق في عمل الذنوب طيلة حياته، فلم يدرك نفسه إلا حينما قرع ملك الموت بابه ودعاه إلى إجابة ربه، ففزع فزعًا شديدًا من عذاب الله، وعلم أن لن ينجو من ربه متى وقف بين فذنوبه كثيرة وحسناته مفقودة، فأراد أن يهرب من عذاب الله له، ولم يجد سبيلًا لتحقيق ذلك إلا بأن يُحرق بعد موته، ثم يرمى رماده في البر والبحر، ويعتبر هذا أمرٌ ساذج يدل على أمرين متناقضين، فعظم خوفه من عذاب الله وهذا الأمر من أعظم العبادات؛ لأنه يجهل عظم قدرة الله وهذا من أعظم الذنوب، فالله تعالى تجاوز عن جهله وغفر له ذنوبه لأنه كان يخاف من الله.

الدليل من السنة على قصة الرجل الذي أمر أولاده بحرقه بعد موته

لقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “قال رجل لم يعمل حسنةً قط لأهله: إذا مات فحرقوه، ثم اذروا نصفه في البر ونصفه في البحر، فوالله لئن قدر الله عليه ليُعذبنه عذابًا لا يعذبه أحد من العالمين، فلما مات الرجل فعلوا ما أمرهم، فأمر الله البر فجمع ما فيه، وأمر البحر فجمع ما فيه، ثم قال: لم فعلت هذا؟ قال: من خشيتك يا رب وأنت أعلم فغفر الله له” رواه مسلم.

شرح قصة الرجل الذي أمر أولاده بحرقه بعد موته

لقد ورد في الحديث أن هناك رجل أعطاه الله تعالى المال الكثير والوفير في الدنيا ورزقهُ بالأولاد، ولكنه لم يشكر ربه على النعم التي منحها الله له وأولاهٌ إياها وكان غارقًا في بحر الذنوب والمعاصي طيلة أيام حياته، فلم علم بقروب الموت منه وأنه سينتقل إلى جوار ربه تذكر أحواله مع الله وعصيانه له، فخاف خوفًا شديدًا، وعلم أنه حينما سيقدم على الله فإنه سيعذبه عذابًا عظيمًا، فوسوست له نفسه بأن يهرب من عذاب الله تعالى وتفتق تفكيره عن طريقة ظنٍ أنه يهرب بها من ذلك العذاب، فجاء بأولاده وصار يخبرهم ويذكرهم إحسانه إليهم ورعايته لهم، فقال لهم: أي أبٍ أنا لكم، فأجابوا أنت خير أب.

وصار يخبرهم بالذي يقلقه ويؤرقه وأخبرهم بأن معاصيه كثيرة وذنوبه عظمت، وأن الله إذا قدر عليه فإنه سيعذبه عذابًا لن يعذبه لأحد، فطلب منهم أن يحرقوه ويذروه في الهواء؛ من أجل أن يفرّ ويتخلص من عذاب الله له، ظانًا بأنهم إذا فعلوا ذلك سيفر من عذاب الله له، فلا يعلم أن الله قادر على أن يجمعه ويحييه من جديد.

وصار يرسم لهم الطريق التي سيسلكونها بعد وفاته، فقال لهم: اجمعوا لي حطبًا وأشعلوا فيها النار ثم يتركوه فيها حتى يصبح فحمًا وبعدها يسحقون ما تبقى من رفاته حتى يصبح رمادًا، ثم ينظرون يومًا صائفًا حارٌ ذا ريح عاصفٍ ويأخذون نصف رماده ويذرونه في البحر، ونصفه الآخر يذرونه في البر وهو يظن بذلك أنه أحكم التدبير، فلا يستطيع ربه أن يعيده كما كان بعد كل ما فعله أولاده به.

لقد غفل هذا الرجل عن قدرة ربه وعن أن الله قادر على كل شيء وأنه يستطيع أن يبعث عباده في يوم القيامة، ومن المثال على قدرته تعالى الرجل الذي أكلته أسماك البحر ومنهم الذي أكلته الطيور المفترسه والوحوش، ومنهم من تحول إلى تراب ومنهم من تغذت عليه تراب الأشجار، ومع كل هذه الأمثله جميعها يعلمون بأن الله تعالى يقدر على جمعهم وبعثهم وعلى أن يحيهم أيضًا، فهو قادر على أن يجمعهم من بطون الأسماك وحواصل الطير ومن بطون السباع كما في قوله تعالى: “إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَٰنِ عَبْدًا – لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا – وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا” مريم:93-95.

وطلب ذاك الرجل أيضًا من أبنائه أن يعطوه موثق وعهدًا على أن يفعلوا ما طلبه منهم وصار يهدد بهم إذا لم تفعلوا ما طلبته منهم فسأعمد إلى حرمانكم من الميراث وسأوصي به لغيركم، ففعل أبناءه وعاهدوه وأقسموا على أن يفعلوا ما طلبه أبوهم منهم.

فلما مات الرجل قام أبناءه بفعل ما طلبه أبوهم، فأمر الله تعالى الأرض والبحر بأن يجمعوا ذراته وقال لها كوني فلانًا، فإذا هو يصحو، فسأله الله تعالى عن السبب الذي جعله يفعل هذا، فأجاب خشيتك والسبب هو الخوف منك، فغفر الله له ذنوبه بمخافته منه، وعذره في ظنه وعدم قدرته على إعادته بجهله، فسبحان الله الغفور والقادر على كل شيء.

المصدر: كتاب صحيح القصص النبوي، تأليف عمر سليمان الأشقركتاب جامع الأصول في أحاديث الرسول، تأليف ابن الأثير وتحقيق عبد القادر الأرناؤوطكتاب القصص في السنة دروس وعبر، تأليف علي بن نايف الشحودكتاب صحيح القصص النبوي، تأليف ابن اسحاق الحويني الأثري


شارك المقالة: