ما هي قصة الرجل الذي قتل مئة نفس؟

اقرأ في هذا المقال


تحكي هذه القصة عن رجلٍ بلغت ذنوبه عنان السماء وأسرف في ارتكابها، فقد كان من أمره بأنه قام بقتل مائة نفس، فقتل النفس هو أمر عظيم عند الله وإثمه ووزره كبيران، ولكن لا يوجد ذنب لا تسع صاحبه رحمة الله، فالله تعالى يغفر الذنوب جميعها عندما يتوب العبد وينوب ويرجع إلى ربه، ولما طرق هذا الذي أسرف في سفك الدماء باب ربه بصدق خالص ورجع إليه تائبًا نادمًا غفر الله تعالى له ذنبه وأنزل رحمته عليه.

الدليل من السنة على قصة الذي قتل مئة نفس

لقد روى البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: “كان في بني إسرائيل رجلٌ قتل تسعةً وتسعين إنسانًا ثم خرج يسأل فأتى راهبًا فسأله فقال له: هل من توبة؟ قال: لا فقتله، فجعل يسأل، فقال له رجلٌ ائت قرية وكذا وكذا، فأدركه الموت، فناء بصدرها نحوها، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فأوحى الله إلي هذه أن تقربي، وأوحى الله إلى هذه أن تباعدي، وقال: قيسوا ما بينهما، فوجد إلى هذه أقرب بشبرٍ، فغفر له” رواه البخاري.

شرح قصة الرجل الذي قتل مئة نفس

إن قصة هذا الرجل هي باب أملٍ لكل من فعل المعاصي ومهما كانت كثيرة ومهما كان ذنبه عظيم، فقد أخبرنا عليه الصلاة والسلام أن هذا الرجل قتل مائة نفس ولكن هذه الذنوب لم تقتلع من نفسه كل نوازع الخير ودوافعه، بل بقي في ظلّ في أعماق قلبه شيءٌ من الأمل والنور، وظلّ عنده شيء من مخافة الله تعالى، ولعله تساءل فيما بينه وبين نفسه هل انقطعت علاقته بربه وأنه لا يمكنه أن يعود إليه هل هناك أملٌ وهل يقبله الله تعالى إن رجع إليه.

فلم يكن عند ذلك الرجل القدرة على أن يفتي نفسه فيما سيحصل معه، فخرج من بيته يجول ويبحث عن أحدٍ يجيبه عن سؤاله، من الرغم أن الرجل عنده العلم بأن مسألته كبيرة وعظيمة ولا يقدر أحد أن يفتيه فيها إلا من كان عنده علم كبير، وبينما هو يبحث أرشده أناس إلى رجلٍ راهب، فالرّهبان كثيروا العبادة وقليلوا العلم، فبعضهم قد يخدع الناس ويظنون أن كثرة العبادة تعني كثرة العلم، فيقبلون يتعلمون منهم ويستفتونهم، وبعضهم يخطئ مثل هذا الراهب إن خُدع بإقبال الناس عليه فقد أفتاهم بغير علم، فمن الواجب عليهم أن يصرحوا للناس بحقيقة أمورهم ويقولوا لهم فيما لا يعلمونه.

وعندما وصل هذا الرجل للراهب الذي دلّه الناس عليه واستمع الراهب لسؤاله فقد استعظم ذنبه، وظن أن رحمة الله تضييق عنه، وأن مثل هذا الرجل لا تسعه رحمة الله وأنه مليء بالجهل. فلو كان الأمر على ما فكر به الراهب لزاد أهل الفجور جرائم؛ لأن الذي يرتكب جرم عظيم حينما ييأس من رحمة ربه ويعلم أنه لا سبيل للعودة إلى الله فإن ذلك يجعله يرتكب جرائم أكثر ويفسد في الأرض.

والدليل على صدق هذا ما فعله ذاك الرجل حينما علم أن التوبة محجورة عنه، وأن رحمة الله لا تسعه فيزداد طغيانًا، فمدّ يده إلى هذا الراهب وقتله وصاروا مائة نفس مع الراهب.

وعاد مرة أخرى يبحث عن عالم يعرض عليه مشكلته، فدلّ على عالم بالله وكان عالمًا حقًا، ولذلك قال العالم لذلك الرجل مستغربًا: ومن يحول بينك وبين التوبة؟ فهذا هو السؤال الذي يحمل معنى الاستنكار والاستغراب يدل على أن هذا العلم كان عنده بدهياً ولا يريد الكثير من التفكير، فرحمة الله واسعة تسع هذا الرجل وأمثاله وأن لا يعظم على الله ذنب أبدًا مهما كان عظيم.

فقد كان ذلك العالم مربيًا ومرشدًا، فلم يكتف بالإجابة بان باب التوبة مفتوح في كل الأقوات وفي جميعها، ودله على الطريق التي يجب عليه أن يسير فيها، فالناس التي تغرق في بحر الذنوب عليهم أن يتركوها وأن ينتقلوا إلى بيئة صالحة مليئة بأعمال الخير بعيدة عن أعمال الشر.

فصار هذا الرجل يسعى في طلب حياة جديدة وصالحة ومستقيمة من أجل أن ينقي نفسه من الذنوب وأن يُحييها بالإيمان بالله. ولما وصل إلى نصف الطريق جاء أجله ودنت ساعته ومن شدة رغبته في التوبة ناء بصدره إلى جهة الأرض وهو في النزع الأخير، فمات وهو مقبلًا على الله راحلًا إلى الديار الصالحة ليعبده، وتاركًا خلفه حياة مليئة بالذنوب والخطايا.

ماذا كان مصير ذلك الرجل الذي قتل مئة نفس

أخبرنا عليه الصلاة والسلام بأن ملائكة الرحمة وملائكة العذاب اختصموا فيه، فكل واحد من الخصمين كان يريد أن يتولى أمره ويتكفل به، فبعضهم يقول: هذا قتل مائة نفس وهذا يقول أنه تاب وأناب وجاء مقبلًا لربه يريد العفو والمغفرة.

لقد أرسل الله تعالى لهم ملكًا على هيئة إنسان وأمرهم أن يقيسوا ما بين الأرضين وهما أرض الظلم والفساد وأرض الأخيار والصالحين، فأمر الله الأرض الخيرة أن تتقارب وأرض الظالم أهلها بأن تتباعد فوجودوه أنه أقرب إلى أرض الصالحين بشبر، ولربما هذا الشبر الذي تحركه عندما ناء بصدره وهو في النزع، فتولته ملائكة الرحمة وغفرت له جميع ذنوبه. فقال تعالى: “قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ” الزمر:53.

العبر المستفادة من قصة الرجل الذي قتل مئة نفس

1- من العبر المستفادة هي سعة رحمة الله تعالى بقبول توبة التائبين مهما كثرت ذنوبهم وكثرة خطاياهم، لذا فإن الذين يئسوا من رحمة ربهم جهلاء به ولا يعلمون سعة رحمته.

2- أن الله تعالى يقبل توبة القاتل إذا كانت توبته خالصة لله تعالى.

3- توضح هذه القصة بأن على العالم أن يرشد التائبين إلى الأعمال التي ترسخ الإيمان في قلوبهم والتخلص من الشر الذي يعيش معهم مثلما دلّ الرجل التائب إلى ترك أرضه وذهابه إلى قوم صالحين يعبدون الله تعالى حتى يعبده معهم.

4- يستفاد من القصة أيضًا بأن الملائكة الموكلون ببني آدم قد يختلف اجتهادهم في الحكم عليهم وقد يرفعون الأمر إلى ربهم من أجل القضاء بينهم على ما اختلفوا فيه.

5 أن الله تعالى خصص ملائكة يتولون أرواح المؤمنين عندما تقبض أرواحهم يطلق عليهم ملائكة الرحمة، أما الملائكة الذين يتولون أرواح الفجرة الظالمين فهم ملائكة العذاب. وأن الملائكة تستطيع أن تتشكل على هيئة صورة بشر مثلما فعل ذلك الملك الذي قضى بين ملائكة الرحمة وملائكة العذاب.

المصدر: كتاب صحيح القصص النبوي، تأليف عمر سليمان الأشقركتاب جامع الأصول في أحاديث الرسول، تأليف ابن الأثير وتحقيق عبد القادر الأرناؤوطكتاب القصص في السنة دروس وعبر، تأليف علي بن نايف الشحودكتاب صحيح القصص النبوي، تأليف ابن اسحاق الحويني الأثري


شارك المقالة: