هذه قصة رجل قام بالتكلم بكلمة أذهبت دنياه وآخرته بالرغم من أنه يعمل بجدّ للعبادة ويأمر بالمعروف وينهى عن منكر، ولكنه حلف عندما رأى صاحبه على ذنب وقال له بأن الله لا يغفر له؛ لأن صاحبه هذا كان كثير الذنوب.
الدليل من السنة على قصة المتألي على الله
لقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن جندب، أن النبي عليه الصلاة والسلام “حدّث أنّ رجلًا قالَ: واللَّهِ لا يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلانٍ، وإنَّ اللَّهَ تَعالَى قالَ: مَن ذا الذي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أنْ لا أغْفِرَ لِفُلانٍ، فإنِّي قدْ غَفَرْتُ لِفُلانٍ، وأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ” رواه مسلم.
أو كما قال أبو داود في سننه: عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “كانَا رجلانِ في بني إسرائيلَ مُتواخيينِ فكانَ أحدُهما يذنِبُ والآخَرُ مجتهدٌ في العبادةِ فكانَ لا يزالُ المُجتهدُ يرى الآخرَ على الذَّنبِ فيقولُ أقصِر فوجدَهُ يومًا على ذنبٍ فقالَ لهُ أقصِر فقالَ خلِّني وربِّي أبُعِثتَ عليَّ رقيبًا فقالَ واللَّهِ لا يغفرُ اللَّهُ لكَ أو لا يدخلُكَ اللَّهُ الجنَّةَ فقبضَ أرواحَهما فاجتمعا عندَ ربِّ العالمينَ فقالَ لهذا المُجتهدِ أكنتَ بي عالِمًا أو كنتَ على ما في يدي قادِرًا وقالَ للمذنبِ اذهب فادخلِ الجنَّةَ برحمتي وقالَ للآخرِ اذهبوا بهِ إلى النَّارِ قالَ أبو هريرةَ والَّذي نفسي بيدِهِ لَتكلَّمَ بكلمةٍ أوبَقت دنياهُ آخرتَهُ“ رواه مسلم.
شرح قصة المتألّي على الله
يخبرنا عليه الصلاة والسلام في الحديث عن رجلين من بني إسرائيل، وكانا صديقين متآخيين ومتحابين، وكان واحد منهما مجتهدٌ في سائر عبادته وكان الآخر يقصر في تأدية ما يتوجب عليه.
فالرجل الذي كان مجتهد في العبادة كان يشاهد صاحبه يرتكب المعاصي والذنوب فكان ينكر عليه ويحذره منها، فهذا فعل مطلوب ومشروع، فقد جاءت بعض الشرائع الدينية بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فكان الرجل المذنب يضيق ذرعًا بإنكار صديقه عليه، فلما اشتدّ عليه صاحبه بالإنكار يومًا قال له: دعني وربي، هل أنت مبعوث إلي لتراقبني. ففي ذلك حلف العابد ويا هول ما حلف، فقال: والله لا يغفر الله لك أو لا يدخلك الجنة.
فما كان لهذا العابد أن يتألى على الله تعالى، فالله له الأمر كله، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، فيعطي الله الخيرات لمن يريد ويمسكها عمّن يريد ويغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، ويهدي من يشاء ويضل من يشاء، وليس لأحد من عباد الله تعالى أن يحجر على ربه أن يغفر لفلان أو يذهب عمل فلان، فقد نطق هذا الرجل بمثل ما قال أبو هريرة بكلمة أوبقت عليه دنياه وآخرته، فقبض الله تعالى روحيهما، فاجتمعا عنده، وقال لذلك المتألي موبخًا ومؤنبًا، أوكنت عالمًا بي أو كنت تقدر على ما في يدي، فأمر الله تعالى بإدخاله النار وأمر بأن يدخل المذنب الجنة.