ما هي قصة المتصدق الذي وضع الصدقة في غير موضعها؟

اقرأ في هذا المقال


إن العبد إذا عمل ما أمره الله به فليس عليه حرج إن هو أخطأ فيما فعل، وأن الله تعالى لن ينقص من أجره ولن يضيع ثوابه، فقد أخبرنا عليه الصلاة والسلام في الحديث الشريف عن رجل عزم على التصدق في السر.

الدليل من السنة على قصة المتصدق الذي وضع الصدقة في غير موضعها

لقد روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: قالَ رَجُلٌ: لَأَتَصَدَّقَنَّ بصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا في يَدِ سَارِقٍ، فأصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ علَى سَارِقٍ فَقالَ: اللَّهُمَّ لكَ الحَمْدُ، لَأَتَصَدَّقَنَّ بصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا في يَدَيْ زَانِيَةٍ، فأصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ علَى زَانِيَةٍ، فَقالَ: اللَّهُمَّ لكَ الحَمْدُ، علَى زَانِيَةٍ؟ لَأَتَصَدَّقَنَّ بصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا في يَدَيْ غَنِيٍّ، فأصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ علَى غَنِيٍّ، فَقالَ: اللَّهُمَّ لكَ الحَمْدُ، علَى سَارِقٍ وعلَى زَانِيَةٍ وعلَى غَنِيٍّ، فَأُتِيَ فقِيلَ له: أَمَّا صَدَقَتُكَ علَى سَارِقٍ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعِفَّ عن سَرِقَتِهِ، وأَمَّا الزَّانِيَةُ فَلَعَلَّهَا أَنْ تَسْتَعِفَّ عن زِنَاهَا، وأَمَّا الغَنِيُّ فَلَعَلَّهُ يَعْتَبِرُ فيُنْفِقُ ممَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ. رواه البخاري.

شرح قصة المتصدق الذي وضع الصدقة في غير موضعها من الحديث الشريف

إن في كل عصر من العصور يوجد الإسلام ويوجد فيه الأخيار الذين يشتاقون إلى العمل بطاعة الله تعالى، وينبعثون إلى العمل عن طواعية ورضا، فلا يطلبون من العباد من جراء أعمالهم سوى الجزاء والشكر.

فقد أخبرنا عليه الصلاة والسلام عن رجل أراد أن يتصدق بصدقة خفيه ولا يعملها أحد إلّا علّام الغيوب؛ لأن صدقة السرّ تطفئ غضب الله تعالى وصدقة السر أفضل من صدقة العلانية.

وفي ذات يومٍ خرج ذاك الرجل في منتصف الليل يبحث عن واحد يضع صدقته في يده، فوجد رجلًا ظنه فقيرًا، فدفع إليه ذلك المال الذي أراد التصدق به، وكان ذلك الرجل سارقًا، وتندر الناس في مجامعهم وأسواقهم في اليوم التالي بالمتصدق الذي وضع ماله في يد سارق.

لقد تكلم اللص عما حدث معه، وهذه الأخبار تذيع في المجتمعات الصغيرة وتنتشر فيها بسرعة مذهلة وبلغ الخبر صاحبنا من الناس الذي تحدثوا به، وهم لا يعرفون صاحبه، فآلمه ذلك وأحزنه، وعبر عن حزنه وألمه بقوله: اللهم لك الحمد على سارق، وعزم على أن يعيد الكرة في الليلة التالية؛ لأنه كان يظن أن صدقته قد ذهبت هباءً منثورًا ولم تقع موقعها.

وفي الليلة الثانية خرج الرجل بعد أن حلّ الظلام في الليل واستتر بظلامه، فوضع صدقته بيد امرأة كان يعتقد أنها فقيرة فإذا هي زانية، وتحدثت الزانية كما تحدث السارق، فانتشر الخبر بين الناس وبلغ صاحبنا، فازداد عجبه وألمه، وقال كما قال بالأمس: اللهم لك الحمد على زانية.

وقرر بأن يتصدق مرةً ثالثة ابتغاء لمرضاة الله تعالى ولطلب الأجر، فوقعت صدقته في الليلة الثالثة بيدّ غني، وليس لنا أن نتصور مدى حزن ذاك الرجل الذي لم يصب فيما كان يطمع فيه ثلاث مرات، ولا نقدر أن نتخيل مشهده عندما كان يخاطب ربه متألمًا ومتعجبًا قائلًا: اللهم لك الحمد على سارق وعلى زانية وعلى غني. ولم يكن يعلم هذا الرجل أن الله تعالى قد كتب له الأجر والثواب، فالشخص الذي يبذل من ماله ابتغاء الثواب من الله يرزقه الله حتى وإن كان المتصدق عليهغير محتاج لهذه الصدقة.

وفي يوم جاءته في منامه بشرى بأن الله تعالى قبل صدقته وأثابه عليها وأخبره بحكمة عظيمة من وراء التصدق على هؤلاء الثلاثة، فلعل السارق أن يستعف بها عن السرقة، ولعل الزانية أن تستعف بها عن الزنا، ولعلها تدفع الغني إلى الإنفاق تأسيًا بهذا الرجل الذي يتصدق بالليل ساترًا نفسه عن العباد، طالبًا الأجر من رب العباد.

وقد ذكر في الحديث على أن الصدقة مقبولة وإن وقعت في يدي من لا يريد المتصدق أن تقع في يده، فروى الإمام مسلم في صحيحه أن يزيد بن الأخنس وضع دنانير عند رجل في المسجد، ووكله بصرفها إلى مستحقيها، فجاء ابنه معن وأخذها وهو لا يعلم من أن مصدرها هو والده، وجاء بها إلى أبيه، فرفض الوالد أن يأخذها وقال والله ما إياك أردت، فخاصمه الابن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام حاكمًا له: “لك ما نويت يا يزيد ولك ما أخذت يا معن” صحيح مسلم.


شارك المقالة: