إمرأة العزيز ونسوة المدينة:
يوسف عليه السلام هو النبي الذي أخذوه اخوته من حضن أبيه ليلعب معهم، ولكن هي كانت حيلة من حيّل الإخوة حتى يُلقوه في البئر، وبعد إلقائه جاءت قافلة ونشلته من البئر وباعوه في السوق بثمن قليل من الدراهم.
ولما اشتراه عزيز مصر وأخذه لقصره حتى يخدمهم فصار بينهم بمثابة الإبن لهم، وعاش في القصر سنوات عديدة حتى بلغ أشدهُ وصار رجلًا، فقد أعطى الله تعالى يوسف شطر الحسن أي أنه جميلُ الوجه وحسن الخُلق.
وعندما بلغ يوسف عليه السلام من الجمال ما بلغ، فُتنت به امرأة العزيز، فإذ بها تلاحقه في كل مكان ومن طريق إلى طريق آخر ومن غرفة إلى أخرى وهي تنظر إليه بشغف، فتعلق قلبها به ولم تعد تتحمل أن يبتعد عنها، ففي يوم من الأيام دعته إلى غرفتها وقامت بغلق جميع الأبواب وأخرجت كل من في القصر ولم يبقى سوى هي وهو فقط، “فما خلا رجل بامرأة إلّا كان الشيطان ثالثهما” فقد تزينت له وتجملت حتى صارت في أحسن مظهر وبدأت تراود به عن نفسه، فقال تعالى: “وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ” يوسف:23. فصارت تقترب من يوسف وتقول له لقد هيأت نفسي لك، وهو يبتعد عنها ويقول لها معاذ الله على أن أرتكب إثمًا يغضب الله تعالى.
يا لها فتنة عظيمة مرّ بها يوسف عليه السلام، فقد تجرأة هي واقتربت من يوسف لكي تعتدي عليه ولكنه لاذ بالفرار منها ويبحث عن أي مخرج حتى يخرج نفسه منه، ولما اقتربت منه، قال تعالى: “وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ” يوسف:24.
وصارت تسابقه عند الباب وهي تجذب يوسف نحوها ولكن عندما وصلا الباب وإذ بزوجها يظهر في وجهها، فصارت تبكي وتقول أنه جاءها ليصنع بها الفاحشة، فقال تعالى: “وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ ۚقَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ” يوسف:25. أي مصيبة حلّت على يوسف عليه السلام بسبب امرأة العزيز، فالمصيبة أنه بلا قميص، وهي تبكي وتقول لزوجها اسجنه أو عذبه عذابًا أليمًا.
وفي ذات يوم قامت امرأة العزيز بتجهيز مكانٍ لائق ومريح لجميع نساء القصر وقيل بأنهن أربعين امرأة وأعدت لهن المجلس والطعام اللذيذ والفاكهة اللذية وأعطت كل واحدة من تلك النسوة سكين من أجل أن تقطع بها الفاكهة وقالت لهن: أنا سأخرج عليكن يوسف الذي لمتتني في حبه وفي شغفي له، فقال تعالى: “وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ ۖ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا ۖ إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ – فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ ۖ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنْ هَٰذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ” يوسف:30-31.
براءة يوسف عليه السلام من مكر نسوة المدينة:
عندما رأى الملك المنام وقام يوسف عليه السلام بتفسيره له، بعثوا بالحُراس من أجل أن يخرجوا يوسف من السجن ولكن يوسف عليه السلام أبى الخروج، وقال: اذهبوا للملك وقولوا له: لن اخرج حتى تظهر برأتي وأن ترجعوا النساء اللاتي قطعنّ أيدهن فسألوهن لماذا قطعن الأيادي ولما تكلمنّ عليّ ولماذا اتهمنني بعرضي وأنا البريء الشريف.
فأمر الملك بأن يجلبوا لهنّ جميع النساء اللواتي اتهمنّ يوسف عليه السلام بعرضه، وعندما وصلن النسوة إلى القصر ومعهن امرأة العزيز، وسألهن الملك؟ ما خطبكن إذ راودتنّ يوسف عن نفسه ولما قلتن عنه ما لا يطاق ويُقبل ولماذا قلتن بأن يوسف هو الذي تحرشّ بكنّ، فهل هذا الكلام صحيح، فعندما نطقن النسوة كلهن جميعاً، قال تعالى: “قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ ۚ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ ۚ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ” يوسف:51.
وهنا ظهرت الحقيقة واعترفت امرأة العزيز بكيدها ومكرها وكل ما فعلت حتى توقع بيوسف عليه السلام، ولكن ما لبث إلا أن قالت عن جميع أفعالها وأخطاءها وأنها هي التي دبرّت لفعل تلك الأمور السيئة، فقال تعالى: “ذَٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ” وعندما عاد يوسف إلى القصر مرةً أخرى قال له الملك: إنك اليوم لدينا مكينٌ أمين، وظهرت براءة يوسف وأذاعوا في جميع أنحاء البلد أنه أدخل السجن ظلمًا وبهتانًا وجاء الفرج من عند الله وطلب منه الملك أن يختار ما بدى له، قال: اجعلني على خزائن الأرض فإني حفيظ عليم.