ما هي قصة العابد الذي أغواه الشيطان؟

اقرأ في هذا المقال


قصة برصيصا العابد

هناك رجل عابد ذُكِر اسمه بُرصيصا في بني إسرائيل في الزمن القديم، يقال بأنه عبدَ الله عبادةً لم يعبدها أحدًا لله تعالى مثله في ذلك الوقت لمدة سبعين سنة، وهو يصلي ويقوم الليل وكان في صومعته لا يفارقها أبدًا ومن الرجال الذي يُضرب المثل بهم.

وفي ذات يوم تجمعت عليه الشياطين ولم تستطع إغواءه حتى قيل أن إبليس بنفسه كان يحاول إغواءه ولكن لم يقدر عليه، فأيّ رجلٍ عابدٍ هذا، وكان إبليس يلوم أتباعه وجنوده كيف لم تستطيعوا أن تغروا هذا الرجل، فالكلّ يتكلم عن بُرصيصا العابد الرجل التقي الصالح والوَرِع، وربما أنه كان لا يخرج لحاجته من صومعته في كل عشرة أيام مرة واحدة، ويجلس يتعبد الله لأيام طويلة وساعات كثيرة ولا يقف أمامه أحد ولا يقدر على إغواءه أحد.

وفي يوم من الأيام، جاءت خطوات الشيطان، وإذا جاء الشيطان وأراد أن يُضل عابدًا أو يُضلّ أحدًا فإنه ينتظر نفسًا طويل وخطوات طويلة حتى يغوي إنسان، والبعض أحيانًا يستهين بعمل صغير يفعله أو بكلمة أو بمعصية أو بنظره فكلها مقدمات يفعلها الشيطان للإنسان لكي يوقعه في الخطأ.

الفتاة وقصتها مع برصيصا العابد

في القرية كان هناك ثلاثة إخوة وعندهم أخت واحدة، فأرادوا أن يخرجوا للجهاد وأن يغزو في سبيل الله وقيل أن هؤلاء الفتية كان أبوهم الملك متوفي، وقبل أن يذهبوا للجهاد خافوا على أختهم وقالوا: من يراعاها ومن سيجلس عندها فليس لها أمّ ولا أب، لمن نتركها وأيّ رجل أمين يحفظها، فتشاوروا فيما بينهم وقالوا: لا أحد أكثر أماناً على أختنا من بُرصيصا العابد؛ لأنه أكثرهم دينًا وخلقًا وأعبدهم لله فلنجعل أختنا عنده أمانة.

فقال أحدهم: إن بُرصيصا لا يخرج من صومعته، فقال الآخر: سنبني لأختنا عند صومعته غرفة صغيرة تجلس فيها لكي يرعاها ذلك العابد ولا تخرج منها، فذهبوا إليه وطرحوا الأمر عليه، فرفض في البداية، فقالوا له: إننا نريد أن نذهب للقتال والجهاد ونريد أن نتقرب من الله، فنحن لا نريد منك إلا أن ترعى أختنا، فقال لهم برصيصا: كيف أرعاها وأنا لست بفارغ، قالوا: أختنا في البيت القريب من صومعتك ولا نريد منك إلا أنه عندما يحين وقت الطعام تذهب وتطرق الباب عليها وتعطيها الطعام حتى يقول الناس أنها لا تجلس لوحدها وأنها أمانة عندك وظلّوا يلحون عليه في الطلب حتى قبل؛ لأنه يحسبه أنه معروف ويحتسبه عند الله عز وجل ومن باب الخير والطاعة، فودع الفتيان الثلاثة أختهم ودخلت على غرفتها وأقفلت على نفسها الباب، وقام برصيصا بتوديعهم ثم ذهبوا في سبيل الله.

جرت الأيام وكل يوم يأتي بُرصيصا العابد يطرق الباب ولا يتحدث معها أبدًا ولا هي أيضًا، فكان يأتي ويطرق الباب ويضع الطعام ثم يسير إلى صومعته، وفي ذات يومٍ يضع الشيطان طُعمَه ويقول له: يا بُرصيصا أتعلم شيء عن الفتاة أهي ميتة أو حية أهي مريضة أو سليمة، فلربما أنها تحتاج لأمرٍ ولا تستطيع أن تكلم أحدًا، ألست أنت الأمين عليها، قال: نعم، قال له الشيطان ردّ عليها السلام حتى ترده عليك وتتأكد أنها بعافيتها وتطمئن عليها فقط.

إن بُرصيصا لم يقبل في البداية ولكن مع الأيام قَبِلَ أن يُسلم عليها فقط، فصار يأتي ويطرق الباب ويُسلّم على الفتاة وتُسلّم عليه ويعود إلى صومعته، فهذه أول خطوة غرسها الشيطان، فقال تعالى: “يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان“.

ثم عاد الشيطان إليه بعد زمن وقال له: لربما الفتاة تستحي وربما أن يكون لها حاجة وإخوتها قد تأخروا عليها وهي محبوسة داخل البيت فاذهب واسألها هل تحتاجين إلى شيء، فما الضرر لو سألتَها فهي أمانة عندك، فأنت رجل عابد وتخاف الله ولا خوف على الفتاة منك، لأنه إذا لم تسألها عن حاجتها فكيف لها أن تقول لك ما الذي تحتاجه.

فبدأ بُرصيصا بخطوة أخرى من خطوات الشيطان وهي: أنه يطرق الباب عليها ويسألها عن حاجتها فإذا قالت نعم جلبها لها، وإن لم يكن لها نقول له لا أريد، فتسير الأمور إلى هنا على أكمل وجه هي في بيتها وهو في صومعته.

ومضى حال بُرصيصا على ما هو عليه حتى أصبحت الأمور تتطور بينهما فصار يكلم الفتاة ويسأل عن حالها وعن شؤونها من وراء حجاب، ويأتي الشيطان إليه ويقول له: ربما الفتاة استوحشت فاذهب وكلمها وحادثها فلربما أنها تريد أن تسمع حديثك وتسمع صوتك، فبُرصيصا بدأ يسترسل في الكلام معها، فما الذي حدث لذلك العابد القائم الذي لا يخرج من صومعته أبدًا ماذا حصل له، هل نسي نفسه أنه تقي وورع وأنه ترك الدنيا ويبحث وراء الآخرة.

الأمور التي حصلت مع برصيصا العابد

إن أمر بُرصيصا لم يحدث في يوم وليلة بل أخذ معه أيامًا وأيام، ففي ذات يوم جاءه الشيطان وقال له: يا بُرصيصا أرأيت وأنت تكلم الفتاة من وراء حجاب، أتعلم أن الناس الذين يمرّون من هنا ويقولون: هذا هو العابد الزاهد الذي يضرب فيه المثل، يأتي اليوم وهو يكلم فتاة من وراء الباب، قال نعم: فماذا أصنع، يقول له الشيطان ادخل عندها وكلمها في داخل بيتها حتى لا يراك أحد؛ لكي تستر على نفسك، هل تريد أن تكلمها أمام الناس، فأنت رجل صالح وعبادتك لربك ستمنعك من وقوع المعصية فأنت تخاف الله وهي فتاة صالحه، فأنت واثق من نفسك فيجب عليك أن تكلمها في الداخل وليس أمام أحد.

إن بًرصيصا بدأ يضعف فطرق الباب وفتحته الفتاة ودخل عليها وصار يكلمها ولكنه لم يفعل شيء، فما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما بينهما يُزينها ويزينه، فقال تعالى: “زين للناس حب الشهوات من النساء”.

لم يفعل بُرصيصا الفاحشة في البداية ولكنه بدأ يلمس ثم تدرج به الأمر وينظر ويُقبل، ومرت الأيام حتى وقع العابد فيما كان يحذر ويخاف فقد فعل الفاحشة نفسها، فقال تعالى: “ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلقى أثاما”

لقد عاد إلى صومعته وصار يبكي بشدة على ما فعل ويستغفر ربه ونادم على ما فعله ولم يقترب منها مرة أخرى، فمرّت الأيام وصار يذهب إليها ليضع الطعام ويرجع، وفي مرة قالت له يا فلان: إني حامل ولم يعرف أحدًا غيره فضلّت على حالها حتى أنجبت ولدًا، فقالت له: ماذا أفعل به، فجاء الشيطان وقال لبُرصيصا: خذ الطفل من أمه واقتله حتى لا يفتضح الأمر، فأخذ الطفل منها وذهب إلى صحراء وقتل الطفل ودفنه في البرّ.

وبعدما قتل الطفل عاد الشيطان لبرصيصا وقال له: هل تظن أنك قد تخلصت من فعلتك فلو عاد الأخوة وعلموا بما حدث فإنهم سيقتلونك فقال له: ماذا أفعل، فقال له: اقتلها كما قتلت ابنها وإن سألوك إخوتها عنها فقل: إنها مرضت وماتت، ففعل كما أمره الشيطان دخل للمرأة وقتلها بعد أن زنا بها ودفنها عند ابنها، فقال تعالى: “ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق”.

الآن وقد جاء الأخوة وبحثوا عن اختهم ولم يجدوها فذهبوا للعابد وسألوه عنها، فقال لهم: اختكم ماتت، فشكروه وعزاهم بها، ولكنهم رجعوا إلى بيوتهم نادمين متأسفين، وفي يوم جاء الشيطان على الأخوة الثلاثة وهم نائمون واحدًا واحدًا وقال لهم: اختكم لم تمت بل زنا بها بُرصيصا وأنجبت وذبح الولد وبعدها قتل اختكم ودفنها مع الولد، فطلع الصباح وصار الأخ الأصغر يقصّ المنام على إخوته فقال الثاني وأنا رأيت مثله وقال الثالث أنا أيضا رأيت نفس المنام.

وذهبوا إلى ذلك المكان ونبشوا القبر وإذ أختهم مقتولة ومدفونة وإذا بالطفل بجانبها وأسرعوا للعابد وسحبوه من صومعته وهدموها عليه وسمع الناس بالخبر، وقالوا: أنت العابد الزاهد تفعل هذا وإذا بالناس تضربه وتصلبه وتهينه وتشتمه، فصاروا يسألوه أين صلاتك وأين عفتك عشرات السنين وأن تصلي وتتعبد وتقوم الليل، والآن تزني وتقتل مرتين.

أما حاله فهو مصلوب ومعلق ينتظر حكم الإعدام فجاءه الشيطان في وقته الأخير وقال له: أنا الذي تسببت لك بكل هذا، “ويسمى الشيطان الأبيض المتمرد”، وأنا الآن أقدر أن أنجيك مما أنت فيه، فأجابه بُرصيصا حقًا أرجوك أن تنقذني، قال الشيطان: ولكن أريد منك طلبًا أخيرًا لكي تنجو وهو أن تسجد لي، فقال له بُرصيصا: لا وظلّ مُصرًا أن يسجد له حتى أغراه الشيطان بالآمال والأحلام وفي اللحظة الأخيرة سجد للشيطان وبعدما سجد قام الناس بقتله، وتركه الشيطان على كفره، فقال تعالى: “كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَفَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ” الحشر:16-17.


شارك المقالة: